رأي جواهر الكلام في منبر الإمام (3) حسن أحمد الحسن بين المهدي والفيتوري: كان ولايزال مقر إقامة الامام الصادق المهدي في ضاحية مدينة نصر في القاهرة ملتقى للمفكرين والصحفيين و الأدباء والساسة ورجال الحكم من مصريين وسودانيين وعرب حيث كثيرا ماتحرص شخصيات عربية ودبلوماسية على زيارة الامام الصادق حين تواجده في القاهرة لايجاد تفسيرات حول مايجري من أحداث وتطورات سياسية في السودان والمنطقة والاطلاع على رأيه في تلك الأحداث في ظل المتغيرات والتحولات المتواترة. ولعل أكثر تلك الفترات ثراءً كان في نهايات حقبة التسعينيات التي شهدت أنشطة فكرية وثقافية وسياسية كبيرة احتضنتها القاهرة . في تلك الأيام أقام الامام الصادق المهدي حفل تكريم للشاعر السوداني محمد الفيتوري والذي كان يشغل منصب المستشار الثقافي في سفارة الجماهيرية الليبية في القاهرة إلى جوار السفير الراحل جمعة الفذاني ، دعا المهدي لذلك الحفل عدداً من الشعراء والأدباء والصحفيين المصريين كان من أبرزهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وبعض الدبلوماسيين إلى جانب عدد من الشخصيات السودانية ، حيث كان حديث الامام عن الفيتوري حديث الأديب الأريب والشاعر الذي يدرك قدر الشعراء ويحس بدواخلهم المرهفة . وبدوره تحدث الفيتوري حول خصوصية علاقته بالإمام الصادق منذ سنوات مبكرة ، واصفا الإمام بأب الديمقراطية والفكر المستنير إلا أن الفيتوري لم يتوانَ في ممارسة مهمة الناقد المهذب في تلك الأمسية مانحا الامام بانتقاداته الفرصة لردود وايضاحات قوبلت بالاحترام ، وهي القضايا التي مافتيء المهدي يرددها ومنها على سبيل المثال من يحمله بطء اتخاذ القرار إبان فترة حكمه في الديمقراطية ، دون أن يفطن إلى الفرق بين اتخاذ القرار في نظام حزبي إئتلافي ديمقراطي ،وبين اتخاذه من قبل رئيس قائد في نظام شمولي قابض . وكان الفيتوري قد تطرق لعلاقته بالامام الصادق المهدي ولتلك الأمسية القاهرية في معرض حوار أجراه معه الأخ الأستاذ كمال حسن بخيت رئيس تحرير صحيفة الرأي العام . وصف الفيتوري الامام الصادق المهدي « بأنه إنسان كبير وملك حكيم « و تحدث حول علاقته بالامام قال « الصادق المهدي من اهم الشخصيات التي توثقت صلتي بها، لان علاقتنا نشأت بمجرد عودته من الخارج بعد انتهاء دراسته في اكسفورد وكنت عندما عاد سكرتيراً لتحرير جريدة النيل وزارني، باعتبار ان الجريدة هي الناطق بلسان حزب الامة وتعارفنا وكنا نسهر مع بعض ونتحدث في اشياء كثيرة، وانشر له مقالته « ضرورة الوحدة الوطنية» في الصفحة الاولى في جريدة النيل، وتوثقت هذه الصلات توثيقاً عميقاً، وانشئ حزب الامة الجديد، وعينني رئيس تحرير لصحيفة «الامة» لحزب الامة الجديد، طبعاً لم اكن عضواً بالمكتب السياسي كان به عثمان جاد الله «الله يرحمه» وعبد الله محمد أحمد، وعمر نور الدائم بالمكتب السياسي بينما كان دوري آخر، معي في جريدة النيل كتاب، وبقيت انا في جريدة الامة . واسترسل الفيتوري قائلاً.. في هذه الفترة كبرت علاقتنا واستمرت حتى اصبح الصادق المهدي رئيساً لوزراء السودان في 65 - 1966 بعد محمد احمد المحجوب، وكنت قريباً منه طبعاً قرابة صحفي بصديق له في رئاسة الدولة، الذي اثار استغرابي ودهشتي عندما أصبح الصادق المهدي - وهو الآن على قيد الحياة ارجو له طول العمر - لاارى انه تناقض مع ما يقوله في جلساتنا الخاصة وغيرها. لكنه لم يستطع تطبيق النظرية الجديدة التي آمن بها تجاه توعية الشعب السوداني وتحقيق الحريات ورفع مستوى الجماهير وكان يشكو من الفساد. المهم انا اراقب كشاعر.. اين انت يا صادق ؟ وحزنت من أجله لكن طبعاً لم استطع مواجهته ، فكتبت له حينذاك قصيدتي المعروفة الطويلة ( سقوط دبشليم ) وكنت انشرها اسبوعياً في جريدة الناس. من أبياتها « يا دبشليم.. يا ايها الملك الحكيم.. أخائف انت.. ورد دبشليم.. معصباً تنام مهموماً وتصحو متعباً.. تلبس تاجاً من ذهب.. تلبس ثوباً من قصب.. وحولك الحراس والحجاب بالآف. حيث ترابط الخيول في القمام.. وتسكن الغربان في الحمائم.. حيث يهب فجأة من ظلمة العصور.. الديناصور.. ويمضي الفيتوري ، عندما قلت القصيدة لم يكلمني الصادق إلا بالمحبة التي بيننا.. عندما طبعت أهديته نسخة منها وكنت ببيروت.. ثم مرت السنوات وتغيرت السلطات.. وانتقل السيد الصادق المهدي من السلطة الى المعارضة.. والى الخارج ثم الى الداخل.» . والتقينا في مصر قبل ان يعود للسودان.. التقينا في مدينة نصر.. وكان - فعلاً - في منتهى اللطف والروعة والصفاء والنقاء.. واقام لي حفل تكريم في بيته.. وكان هناك بعض الأدباء والكتاب والصحفيين والسياسيين.. وكان ان ذكرت الصادق المهدي قلت له : (هل تذكر قصيدة سقوط دبشليم ؟) قال لي : نعم. قلت له : (تعرف انك انت دبشليم) قال : نعم.. ولكن احتراما لك ولدورك التاريخي لابد ان نعطيك (حرية الادباء) وقال لي مداعبا : (فعلا نحن كنا ديمقراطيين وانا كنت ديمقراطياً فلو لم اكن ديمقراطياً كنت رسلت ليك اثنين ليضربوك).. واضاف الفيتوري ان هذا الصادق المهدي انسان كبير احمل له كل تقدير واعزاز ومحبة.. يا مسكوناً بالاحزان (أُمة فى رجل) أهلاً يا مسكوناً بالاحزان يا مغروراً حد الخجل يامنتثراً كالعطر الهامس والأنوار شكراً لصبر الفارس والطغيان المحمود شكراً لجمالك رغم سوء نوايا الحظ يلاطفنا الصوت الخلاق معذرة أعتزل الشعر وصودرت الأشواق كيف إنتميت للريح والإضطراب؟ وأنت تشد سراح عينيك فى الوضوح مقرح المقلتين (أُمة فى رجل) الفيتوري الصحافة