بالمنطق وإلى الشعب يعود..!!! صلاح عووضة ٭ بُعيد نشرنا كلمتنا تلك التي أشرنا فيها إلى بيع عربتنا رداً على اتهام إسحق فضل الله لنا ببيع أقلامنا، تلقينا اتصالاً هاتفياً من مسؤول بمصرف السلام.. ٭ قال المسؤول هذا كلاماً طيباً في قضية متبقي أقساطنا على البنك، ثم أشار إلى أن أمثالنا يجب أن يكونوا وزراء في هذا البلد.. ٭ ورغم أن إشارته هذه هي من باب المجاملة إلا أن الإستوزار لمن يعرف ثِقل «الأمانة!!» المترتبة عليه هو «امتحان عسير!!» وليس تشريفاً ذا امتيازات وفارهات وسفريات ومخصصات و«دولارات».. ٭ والذي يشفق من «حمل الأمانة!!» يفرُّ من الإستوزار فرار السليم من الأجرب، لا أن يتكالب عليها تكالب أصحاب «الإسلام السياسي!!» في زماننا هذا.. ٭ وحين نخصّ الإسلامويين بالتكالب هنا،فذلك لأن «الأمانة» التي نتحدث عنها هي من منطلقٍ إسلاميٍّ بحت له استحقاقاته على أرض الواقع.. ٭ استحقاقات لا يقدر عليها إلا من كان يخشى المساءلة الإلهية إن كان نظام الحكم دينياً.. ٭ أو كان يخشى المساءلة الشعبية عبر البرلمان إن كان نظام الحكم ديمقراطياً.. ٭ ولعلنا رأينا بالأمس القريب هذا، كيف أن رئيس دولة إسرائيل السابق - موشي كاتساف - أُدين بتهمة التحرش الجنسي، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث مثله في دولة أفراد حكومتها «معصومون!!» من المساءلات.. ٭ ولا يهم بعد ذلك إن كانت الدول من هذه الشاكلة ترفع شعارات دينية أو ترفع شعارات إلحادية.. ٭ المهم أن أيَّ مسؤول في مثل الدول هذه هو «معصوم» وخلاص.. ٭ والعصمة هذه تُسمّى في كل بلاد العالم الشمولي «الحصانة!!».. ٭ وهنا في السودان حيث شعارات الإسلام «ما تدِّيك الدرب» لدينا أيضاً حصانات دون أن يُجدي تذكيرك للمُحصَّنين هؤلاء بمثول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مع خصمه اليهودي أمام القضاء.. ٭ دون أن يُجدي نفعاً تذكيرك إياهم بمفارقتهم للإسلام هذا الذي «يدوشوننا» بشعاراته عند استعصامهم بمبدأ الحصانة.. ٭ ولأنهم محصنون المستوزرون هؤلاء في بلادنا فإنهم يطلقون القول على عواهنه دون خشية من مساءلة أو محاسبة.. ٭ ويفعلون ما يعنُّ لهم دون إعتبار لوازعٍ دينيّ أو وضعي.. ٭ فهم فوق القانون الذي «يُرهِبون» به الناس ولا «يرهبونه» هم.. ٭ وفوق الشريعة التي «يُخوِّفون!!» بها الناس ولا «يخافونها!!» هم.. ٭ وحتى لا يكون قولنا هذا على عواهنه كما يفعلون نشير إلى نوعٍ واحدٍ فقط من أنواع الترهيب والتخويف هذين.. ٭ ففي ظل الشريعة الحالية «تُستباح!!» حرمات الناس ثم يُساق منهم من يُساق إلى ساحات «الجلد» و«التشهير» رغم أن الشريعة «الحقة!!» تنهي «المسلمين» عن التجسس والتحسس.. ٭ وهذا المثال الوحيد سقناه لكي نبين كيف أن حكومتنا «تُحلِّل!!» الاستباحة هذه حين تكون تجاه الناس و«تُحرِّمها» حين تكون تجاهها هيَ.. ٭ لكي نبيِّن كيف أنها تنهي عن خلقٍ وتأتي مثله دون أن ترضى أن يُقال لها: «عار عليك عظيم».. ٭ لكي نبين كيف أنها تستنكر جزع الناس من استباحتها خصوصياتهم وتجزع هي من استباحة أجنبية لما تعتبره خصوصيةً لها.. ٭ فقد شنت الحكومة هجوماً شرساً على لسان وزيرة الدولة بالإعلام على محرك البحث الشهير «قوقل» لمساهمته في «استباحة» فضاءات السودان بحثاً عن انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان.. ٭ وقالت سناء حمد ،إن وجود قمرٍ للمراقبة في سماء السودان هو بمثابة «انتهاك للسيادة!!» وخرق للقانون الدولي.. ٭ ولكن القانون الدولي هذا يا وزيرة الدولة بالإعلام يعتبر أيضاً انتهاك خصوصية الناس بمثابة «خرقٍ» له.. ٭ وقبل ذلك يقول الشيء نفسه القانون «الإلهي».. ٭ ثم تأبى الوزيرة «الجديدة» إلا أن تسير على الدرب نفسه الذي عليه «إخوانها في الله» سائرون.. ٭ الدرب الذي يجسِّده المثل المصري القائل مع شيء من التصرّف: «ما قدرش على الأجنبي إتشطر على ابن البلد».. ٭ فحين غضبت الحكومة من البي بي سي مثلاً عاقبت الشعب السوداني ب «حجب» خدمة الإذاعة البريطانية عنه.. ٭ وحين غضبت من انتهاك الدولة «تلك» لسيادة البلاد عاقبت الشعب السوداني ب «حجب» أي تناول إعلامي من جانب صحافته لحادثة الانتهاك تلك.. ٭ وحين غضبت هذه الأيام من قوقل ألمحت إلى معاقبة أفراد الشعب السوداني ب «حجب» المحرك البحثي الشهير عن أجهزة حواسيبهم.. ٭ أرأيت الآن يا أستاذ أحمد عبد المجيد بمصرف السلام كيف أننا نسعد ب «تفهّمكم!!» لأوضاعنا أكثر من إشارتكم إلى «الإستوزار!!»؟!.. ٭ فهذا زمان لا يقدر على حمل «الأمانة» فيه إلاّ من يخشى المساءلة الإلهية والبرلمانية.. ٭ إلاّ من يرفض مبدأ «الحصانة».. ٭ إلاّ من يأبى أن يدع إقراره ببراءة الذمة خالياً كفؤاد أم موسى.. ٭ إلاّ من يعلم أنه أتى بتفويضٍ من الشعب.. ٭ وإلى الشعب يعود.. الصحافة