ما بعد الإنفصال!! الصادق المهدي الشريف [email protected] قال الدكتور لوكا بيونق القيادي بالحركة الشعبية ووزير رئاسة مجلس الوزراء حتى هذه اللحظة : (أنّ واشنطن سيكون لها الدور الأكبر في بناء دولة الجنوب، بل وستكون المستثمر الأكبر هناك). والدكتور لوكا بيونق قيادي واقعي، لا يميل كثيراً الى الشعارات التي يعتلي صهوتها معظم قادة الحركة الشعبية. لكن... يجدر بنا هُنا أن نستقرئ التاريخ لنتبصر من خلاله المستقبل ... فهناك تجربة سابقة للجنوب مع واشنطن، وهي (مؤتمر المانحين) بالعاصمة النرويجية، حين تعهدت الولاياتالمتحدة وحدها بدفع 1.7 مليار دولار للجنوب... فاين هذا المبلغ الضخم الآن... بعد ستِّ سنواتٍ من مؤتمر أوسلو الشهير ؟؟؟. ثمَّ... ما الذي حصل عليه الجنوب من جملة المبلغ الكلي لأوسلو (4.5 مليار دولار)؟؟؟. التصريح الذي أدلى به دكتور لوكا لم يفعل أكثر من صناعة الوهم في الذهن الجنوبي المنتشي الآن بالإنفصال. رُبّما (لن) يتحقق أبداً ما يقول به الرجل، ورُبّما تحقق على النحو الذي لا يرجوه هو ولا أبناء الجنوب. جيمي كارتر الرئيس الأمريكي (المتفرغ تماماً) كان أكثر واقعية من القادة الجنوبيين الذين يعولون كثيراً على الدعم الامريكي غير المحدود وغير المشروط... فقد قال في تصريحٍ بثتهُ معظم وكالات الأنباء :(إنّ الجنوبيين يتوقعون رفاهية شبه فورية وتعليم وصحة، مباشرةً بعد الإنفصال... لكنّهم سوف يصابون بخيبة أملٍ كبيرة). ولو صرَّح أحد قادة المؤتمر الوطني بمثل هذا التصريح لما استمع له أحدٌ، لكنّ التصريح جاء من رئيس أمريكي على صلة بالسياسة الأمريكية في كل مناطق العالم... ويعمل مركزه (مركز كارتر) بتنسيق مع صُنَّاع السياسات الخارجية في واشنطن. لهذا فإنّ ما يقوله كارتر هو مجرد تحذير من الإفراط في التفاؤل... ذلك الإفراط الذي وقع فيه قيادي (واقعي ومنطقي) مثل الدكتور لوكا بيونق. وحتى لا ننفصل عن قراءة التاريخ... فواشنطن ساندت (معنوياً وسياسياً) إنفصال بعض دول الاتحاد السوفيتي مثل (أوكرانيا) لكنّها لم تقدم لها أيِّ نوعٍ من أنواع الدعم المباشر سواء كان مالياً أو فنياً. كلّ ما فعلته واشنطن هناك، هو أنّها استثمرت عسكرياً في أوكرانيا من خلال مشروعها الضخم (الدرع الصاروخي)... وهو من الإستثمارات التي لم تكن ترغب فيها أوكرانيا، لأنّها تفتح (وقد فتحت) عليها أبواب المواجهة مع روسيا. كُنّا بنقول في شنو؟؟؟ نعم...قلنا أنّ ما قاله لوكا بيونق قد لا يتحقق أبداً، وقد يتحقق على النحو الذي لا يرجوه لوكا ولا الجنوبيون... مثلما فعلت واشنطن في اوكرانيا، فتنشط الولاياتالمتحدة في الإستثمار عسكرياً في الدولة الوليدة بالجنوب، لإكمال القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا (أفريكوم)... وهي القيادة الموزعة بين ألمانيا وجيبوتي، ولم تجد لها مكاناً في افريقيا حتى الآن. وأخيراً فإنّ التواضع الجنوبي على جوار آمن مع الشمال (والشمال لا يعني المؤتمر الوطني)... هذا التواضع كفيل بتأسيس دولة جنوبية قادرة على الحياة والتطور... فعلى اقل تقدير فالشمال كان مصدراً لٍ(16 مليار دولار في خلال السنوات الستة الماضية) حصل عليها الجنوب ممن تصدير البترول. صحيفة التيار