جهاز شئون السودانيين بالخارج..! منى أبو زيد [email protected] معظم المغتربين يُعلِّقون – وهذا ليس ذنبهم! – وزر أي بغلة تعثر بهم في أرض الغربة على جهاز المغتربين .. بينما الدولة تُعلِّق – وهذا ذنبها! – وزر أي قصور في استتباب أمنها الجبائي، أو الاستجابة لصوتها المنادي بالعودة الطوعية - على ذات الجهة .. الدولة هي السبب في ذلك الغموض الذي ظل يصاحب دور (جهاز تنظيم شئون السودانيين العاملين بالخارج!) لأنها – ببساطة - لا تعرف بالضبط ماذا تريد منه .. ولماذا تريد .. ثم كيف تحقق ما تريد ..! قضايا السودانيين بالخارج تجاوزت العقبات الإجرائية (التأشيرة والرسوم والخدمة الإلزامية والضرائب والزكاة ..إلخ ..) إلى فضاءات أرحب، في ظل سطوة أحكام العولمة من جهة، وضيق فرص الرزق داخل الوطن من جهة أخرى .. فثارت في السنوات الأخيرة قضايا إنسانية عديدة، دقت ناقوس الخطر فيما يختص بشئون السودانيين خارج الوطن .. في ليبيا .. واليمن .. ولبنان .. بل وعلى حدود إسرائيل التي تمنع جوازات سفرهم تأشيرة دخولها ..! لم تعد قضايا الغربة في السودان مشكلات إقامة وعودة طوعية وإشكالات إجرائية بل تجاوزت كل هذا إلى مناحي أكثر عمقاً وتعقيداً .. مناحي ومسارب ومسارات ما عاد أدب الغربة النمطي يستوعب نتوءاتها وانبعاجاتها ومثالبها وإشكالاتها .. الأغنيات والأشعار والتناول الدرامي والبرامج الخاصة بقضايا المغترب لم تستصحب بعد حقيقة الهجرة وقضاياها المعقدة التي أصبحت واقعاً (حلو مر) في مجتمعنا المحلي ..! ما تزال الدراما والأغنيات ترى في كل السودانيين بالخارج طيوراً تنتظر مواسم العودة.. بينما الحقيقة هي أن هؤلاء المهاجرين قد قطعوا أشواطاً مقدرة في دروب التواصل الاجتماعي، بل والنشاط السياسي في أوطان ثانية باتت مستقراً لهم ..! استوقفتني كثيرا وطويلاً تلك النقلة النوعية في فكر جهاز المغتربين بشأن قضايا الوجود السوداني بالخارج .. هنالك ثورة فكرية جديرة بالدعم والإشادة في رؤيته الكلية لقضايا الهجرة (تأسيس مركز دراسات الهجرة، مثالاً) .. في المؤتمر الأول للمغتربين العرب - الذي انعقد في القاهرة قبل بضعة أسابيع - كان حضور السودان أصيلا وفاعلا ومشرفاً، كلمة الأمين العام لجهاز المغتربين في الجلسة الافتتاحية، كانت الأكثر ثراءً وتفقُّهاً في قضايا المهاجرين بين كل وزراء الهجرة العرب ..! وفي ذات المؤتمر تحدث مهاجرون سودانيون عن تجاربهم مع الانخراط في العمل السياسي في أوطانهم الثانية من الترشيح لعضوية البرلمانات إلى تقلد المناصب السياسية، وعلى الرغم من ذوبانهم المؤكد في النسيج الاجتماعي لبلدانهم الثانية تلك أكدوا على ضرورة ربط مكتسبات الهجرة بقضايا التنمية في الوطن الأم .. ودروهم (بمختلف أجيالهم) المؤثر في ضبط العلاقات الدولية بين بلاد إقامتهم وأوطانهم ..! لا يمكن اختزال قضايا السودانيين بالخارج وأدوارهم ومساهماتهم الوطنية، في المشكلات الإجرائية لمكاتب الجوازات والتأشيرة والخروج والعودة والضرائب والزكاة .. قضايا الهجرة والاغتراب اليوم مضمار أكثر رحابة وتعقيداً .. هي ملعب سياسي/اقتصادي/ فكري/ اجتماعي/ يحتاج إلى نظرة أشمل، وكيان أكبر ..! عن صحيفة التيار منى أبو زيد [email protected]