«خبز الوطن خير من كعك الغربة».. فولتير! معظم المغتربين يُعلِّقون ? وهذا ليس ذنبهم! ? وزر أي بغلة تعثر بهم في أرض الغربة على جهاز المغتربين.. بينما الدولة تُعلِّق - وهذا ذنبها! - وزر أي قصور في استتباب أمنها الجبائي، أو الاستجابة لصوتها المنادي بالعودة الطوعية - على ذات الجهة.. الدولة هي السبب في ذلك الغموض الذي ظَلّ يصاحب دور (جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج!) لأنّها - ببساطة - لا تعرف بالضبط ماذا تريد منه.. ولماذا تريد.. ثم كيف تحقق ما تريد..! قضايا السودانيين بالخارج تجاوزت العقبات الإجرائية (التأشيرة والرسوم والخدمة الإلزامية والضرائب والزكاة ...إلخ) إلى فضاءات أرحب، في ظل سطوة أحكام العولمة من جهة، وضيق فرص الرزق داخل الوطَن من جهة أخرى.. فثارت في السنوات الأخيرة قضايا إنسانية عديدة، دقّت ناقوس الخطر فيما يختص بشؤون السودانيين خارج الوطن.. في ليبيا.. واليمن.. ولبنان.. بل وعلى حدود إسرائيل التي تمنع جوازات سفرهم تأشيرة دخولها..! لم تعد قضايا الغربة في السودان مشكلات إقامة وعودة طوعية وإشكالات إجرائية بل تجاوزت كل هذا إلى مناحٍ أكثر عُمقاً وتعقيداً.. مناحٍ ومسارب ومسارات ما عاد أدب الغربة النمطي يستوعب نتوءاتها وانبعاجاتها ومثالبها وإشكالاتها.. الأغنيات والأشعار والتناول الدرامي والبرامج الخَاصّة بقضايا المغترب لم تستصحب - في مضامينها - بعد حقيقة الهجرة وقضاياها المُعقّدة التي أصبحت واقعاً (حلو مر) في مجتمعنا المحلي..! لا تزال الدراما والأغنيات ترى في كل السودانيين بالخارج طيوراً تنتظر مواسم العودة.. بينما الحقيقة هي أن هؤلاء المهاجرين قد قطعوا أشواطاً مُقدّرة في دروب التواصل الاجتماعي، بل والنشاط السياسي في أوطان ثانية باتت مُستقراً لهم..! لا يمكن اختزال قضايا السودانيين بالخارج وأدوارهم وإسهاماتهم الوطنية، في المشكلات الإجرائية لمكاتب الجوازات والتأشيرة والخروج والعودة والضرائب والزكاة.. قضايا الهجرة والاغتراب - اليوم مضمار - أكثر رحابةً وتعقيداً.. هي ملعب سياسي/ اقتصادي/ فكري/ اجتماعي/ يحتاج إلى رؤية أكثر شمولية وإستراتيجية أكثر وضوحاً.. وكيان جامع أكبر يستوعب إشكالات وقضايا المغترب/ المهاجر، البعيد دوماً، والقريب أبداً..!