،، 1-2 بقلم / شريف آل ذهب [email protected] تشهد منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام تفاعلات كبيرة على الصعيد السياسي الداخلي للدول فاجأت الكثير من المحليين ومراكز الدراسات الإستراتيجية وأعجزت عقولهم عن استيعابها ، لا سيما وأن هذه التحولات بدأت بدول كانت تعد الأكثر استقراراً وتماسكاً بمقياس قوة السلطان وجبروته الأمني . ولكن بإعادة الأمور إلي سياقها الطبيعي فانه يعد منطقياً باعتبار أن ( الضغط يولد الانفجار ) وأنّ نقمة الشعوب في تلك البلاد ومثيلاتها قد بلغت أوجها ، والشباب لم يكونوا سوى الثقب الذي أفسح المجال لهذا الانفجار الكبير أن يتولد . ويبقى الدور على بقية النماذج المماثلة من الدول ومنها السودان أن تحزم أمرها بالتغيير من الداخل قبل الطوفان الكبير ، فالجبروت الأمني وسطوة السلطان لم يعودا يجديان في قهر إرادة الشعوب التي كسرت حواجز الخوف وملت الزيف والتضليل الإعلامي واللعب بالعواطف والمشاعر القومية والدينية ، وقد اكتسبت أجسادها المناعة الكاملة من الجلد بالسياط والركل بالأرجل في دهاليز السجون ومراكز التعذيب . وبالنسبة لحال السودان تحديداً فخطورة الأمر فيه يكمن في الوضع المهترئ لنسيجه الداخلي بما قد يؤدي به في حال حدوث اضطرابات غير منتظمة إلي الصوملة والبلقنة . عليه .. فالمطلوب في هذه المرحلة الراهنة ضرورة البحث عن صيغة توافقية تضمن الانتقال السلس للسلطة فيما تبقى من هذا الكيان بعد أن انشطر الجنوب عنه ، وصولاً لمرحلة التأسيس اللاحقة لدولة جديدة على أسس جديدة . والحديث عن كيفية الانتقال ينقلنا لتناول أطراف التنازع في هذا الكيان وأوجه التغيير التي يجب أن يحدثها كل طرف منها تمهيداً للوصول للمرحلة النهائية . وهذه الأطراف تتمثل في حكومة المؤتمر الوطني القائمة وقوى المقاومة الدارفورية وأحزاب المعارضة . وإذا بدأنا بحكومة المؤتمر الوطني التي لها القدح المعلى في التأزيم وعلى عاتقها تقع المسئولية الكبرى في إيجاد الحلول باعتبارها الطرف المسيطر على مقاليد السلطة في الدولة ، فهذه الحكومة عليها أن تعي أنها معنية بالتغيير الشامل تلقائياً إن شاءت عن طوعها وإلا فالطوفان الشعبي قادم لا محال ، وتقديرنا أنهم ( أي النظام ) قد استقوا دروساً وعظات مهمة مما يدور بجوارهم في الخارج وأول هذه الدروس يتمثل في أن القهر والاستبداد بالسلطة والمال لم يعودا يجديان في إخضاع الشعوب بل على النقيض من ذلك ربما كانتا الوقود التي تلهب مكامن الحنق لديهم وتدفع بهم لإشعال الثورات . أما الدرس الثاني فيتمثل في خطل العيش تحت وهم المشروعية المستقاة من الفوز الكاسح في الانتخابات ( المزورة) مدفوعة الأجر ومعلومة النتائج سلفاً ؟!، والتبجح بها في وجه المعارضين للتقليل من أحجامهم السياسية ، وقد سبق أن نوهنا لهذه الجزئية بالتفصيل قبل وبعد الانتخابات الأخيرة ونبهنا لسذاجة فكرة خلق برلمان موالي مكدس بنسبة ( 99 % ) بعناصر المؤتمر الوطني وتغييب الأطراف المعارضة وسد منافذ التعبير الديمقراطي لديها . هذه السياسات الإقصائية هي التي دفعت بالجنوب للانفصال وقادت من قبل لاندلاع الثورة في دارفور والتي بكل أسف لا يزال النظام يدير ملفها بذات التفكير الأمني والمالي ( شراء الذمم ) مما عطل الوصول إلي حلول حقيقية تنهي الأزمة من جذورها . ونقطة أخرى تتعلق بالمؤتمر الوطني تتمثل في سياسة المزاوجة بين الحزب والدولة في كل شيء ، فرئيس الحزب هو رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ، وعضوية الحزب هم موظفو الدولة بحكم الولاء لا بحكم الوظيفة ، وهم قوى الأمن ورجال المال والأعمال ، تماماً كما في تونس ومصر وعداها من الجمهوريات . كل هذه السياسات إذا تمادى النظام في المضي بها على هذا النحو فحتماً سوف ينتهي الأمر بانتفاضة شعبية عارمة تكنس هذا النظام من قواعده عن الأرض . عليه فالمطلوب من نظام المؤتمر الوطني في المرحلة القادمة أن يتناسى الماضي ويخرج عن تأثير وهم العظمة التي تلبسها طيلة الفترة الماضية تحت وطأة تأثير الأوهام التي أوردناها آنفاً ، وينفتح للجميع بآفاق جديدة بغية وضع تصور مشترك لحل أزمات الوطن القائمة ورسم سياساته المستقبلية .. نواصل في الحلقة القادمة بإذن الله عن دارفور وقوى المعارضة ..