هناك فرق. هذا هو المفروض ..! منى أبو زيد محكمة أمبدة أصدرت الأسبوع الماضي حكما بالجلد - أربعين جلدة - على رجل تمّ اتهامه باغتصاب طفل عمره ست سنوات (لاحظ أنني لم أقل تمت إدانته!) .. كان الصبي قد ذهب ليلعب مع صديقه عندما وجد المنزل خالياً، والمتهم متربصاً ملوّحاً بالحلوى، قبل التمكن من فعلته، ثم مهدداً بإلحاق الأذى – بعد وقوعها - إذا ما حاول الطفل المسكين أن يقول (بِغم) ..! في أثناء الاستحمام، لاحظت والدة الطفل أنه يتألّم بشدة، وعندما استنطقته بكى وباح بسره العظيم، لكن توقيت البلاغ كان متأخراً، ولم يثبت الكشف الطبي ثبوت الجرم على المتهم .. ولكن بقيت شهادة الطفل، تشد من أزرها بيّنة ظرفية أخرى أثبتت وجود المتهم بالمنزل وقت وقوع الحادثة ..! فما الذي حدث؟! .. حكم القاضي بتلك (الجُلَيْدات) فلم نفهم منطقه.. هل حكم عليه لأنّه متحرش.. أم لأنّه مغتصب.. أم لأنه مجرد شقي حال أوقعه حظه العاثر في براثن خيال الأطفال الجامح، فقرر القضاء أن يردعه من باب الاحتياط ؟.. هل فعلها الرجل أم لم يفعلها..؟ ثم ماذا ؟.. هل توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار؟.. هل توجد مساحة إدانة رمادية بين تجريم المتهم وتبرئته في قضايا الاغتصاب ..؟! هكذا كنا نتساءل كلما سمعنا مثل هذه الأحكام، إلى أن نقلت إلينا صحف الأمس نبأ الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت – ولأول مرة في البلاد – على مغتصب طفل بولاية الجزيرة، بعد أن تمّت إدانته تحت المادة (45.ب.) من قانون الطفل للعام 2010م .. الأمر الذي سيكون له عظيم الأثر في انحسار معدلات جرائم الاغتصاب التي كثرت وتفاقمت فأقلقت البلاد والعباد ..! القضاء الإماراتي فعلها - قبل هذا - بحكمه العادل في قضية (قتيل العيد) - الطفل الباكستاني - الشهيرة التي هزت أوساط الرأي في العام الماضي، بعد أن ثبتت خطورة تساهل القضاء مع ذات القاتل (مواطن إماراتي مدمن للخمور وعاطل عن العمل) في جريمتي اغتصاب سابقتين (الاكتفاء بالحكم عليه بالسجن لبضع سنوات في كل منهما) .. فعاد حراً وبقي طليقاً إلى أن عثر على ضحية جديدة فلم يتورع عن معاودة الكرة ..! القاعدة الأصولية تقول إنّ الشر الكبير يدفع بارتكاب الشر الصغير، وعندما تتعارض المفاسد مع مصالح العباد يجتث دابر الأولى حتى يستقيم الأمر للثانية .. وفي قصة سيدنا موسى مع الخضر، كان قتل الغلام شراً في ظاهره، ولكن بقاءه على قيد الحياة كان أكثر أذى وفتنة لوالديه في دينهما.. هكذا انقشع ستار الغيب عن بصر الرجل الصالح فرأى أن يقطع الطريق على أعظم الضررين بتحقق أدناهما .. فما بالك بمغتصب الأطفال ..؟! الأحكام القضائية المتهاونة تساعد جداً في صناعة تلك الوحوش الآدمية وتفاقم نموها، فالعلاقة بين انتشار تلك الجرائم وبعض مواد وفقرات القوانين طردية .. وبمثل هذه الأحكام الرادعة – فقط - نحد من انتشار فظاعة الاغتصاب التي كادت أن تتحول إلى حوادث نمطية تُسوّد صفحات الجريمة بالصحف الاجتماعية ..! التيار