يسِّروا ولا (تخَصخصوا) ..! منى أبو زيد أقرب مفهوم يتبادر إلى ذهنك وذهني عند ذكر مصطلح \"خصخصة\" هو المنافسة .. ف خصخصة أي نشاط اقتصادي هي عملية خروج طوعي عن سلطة الاحتكار إلى فضاء المنافسة على السلعة أو السعر الأفضل ..! يبدو أن حكومة السودان قد وضعت مطلق الخصخصة في رأسها، من خصخصة الزراعة إلى خصخصة الدواء .. ثم خصخصة السجون في المستقبل القريب - بإذن الله - حتى يحظى مرتادوها من أصحاب الجرائم أو الشيكات المرتدة بخدمات ومرافق تتناسب وأوضاعهم الإنسانية وكدا ! .. ليه لأ ؟! .. لعل منافسة شركات القطاع الخاص على إدارة وخدمات السجون فكرة جيدة مسجونة في قمم الرتابة بانتظار مارد الخصخصة ..! في بقية دول العالم التي تنتهج الخصخصة يعولون على توابع المنافسة التجارية - \"حرية السوق\" - من تجويد وإتقان للعرض لحصد أكبر قدر من الطلب، وكله في إطار فلسفة المنافسة التي تنهض بالمشاريع ولكن الانتقال من احتكار الحكومة إلى احتكار جهة بعينها في القطاع الخاص هو نقل ملكية وليس خصخصة ..! عن خصخصة الهيئة العامة للإمدادات الطبية، هنالك حزمة أسئلة جوهرية لا بد من طرحها .. مثلاً، هل سيحرص القطاع الخاص على توفير الأدوية ذات التكلفة العالية جداً والتي لا يستخدمها إلا عدد قليل من المواطنين (بدعم من ديوان الزكاة، أو من الهيئة العام للإمدادات الطبية تحت بند الفقراء والمساكين) ..؟! مثل عقار (الإمينوقلوبيولين) المستخدم في تعزيز المناعة مثلاً والذي تصل تكلفة (الكورس) منه إلى عشرين مليون جنيه سوداني ؟! .. معلوم أن هنالك أدوية نادرة جداً تتجشم هيئة الإمدادات الطبية عناء توفيرها لأشخاص بالعدد مثل (حبوب بايو كربونات الصوديوم) مثلاً .. ثم ماذا سيكون مصير أدوية الوبائيات التي يعتمد توفيرها العاجل على مجرد احتمال حدوث الإصابة، والتي يبقى احتمال إباداتها دون استخدام عالٍ جداً في حال عدم الاستعمال (السودان كان من أوائل الدول التي استوردت عقار علاج أنفلونزا الطيور - التامي فلو- على الرغم من عدم تسجيل أي حالة إصابة وقتها) الأمر الذي يعني أن مصير ذلك العقار اليوم هو الإبادة .. الهيئة العامة للإمدادات الطبية حافظت - رغم نسبة الربحية - على استقرار أسعار الدواء في السودان .. تبعيتها للقطاع الحكومي حجَّمت جشع (تسعير) الدواء إلى حد ما .. فما الذي سيضطر القطاع الخاص إلى مراعاة مبدأ استقرار سعر الدواء ..؟! الدواء هو السلعة الوحيدة التي ظلت محافظة على معقولية نسبة ارتفاع أسعارها مقارنة بالسلع الأخرى في السودان حتى الآن .. ومعلوم أن الإمدادات الطبية تحتكر استيراد حوالي أكثر من مائتي صنف دواء، وتبيعها بأسعار منخفضة (على الرغم من كونها محتكرة) الأمر الذي لا ةلن تحذو حذوه أي شركة خاصة .. ماذا سيكون مصير المواطن المستهلك - بفتح اللام - عند انفتاح سوق الدواء في السودان ؟ .. يا له من سؤال عظيم يطرق أبواب ضمائركم أيها المسئولون ..! من صحيفة التيار منى أبو زيد [email protected] الرسالة