[email protected] التنمية , تلك الأمنية التي طالما سعى لها كل مجتمع . وأنشأ لها ما أنشأ من فكر وعلم وتكنولوجيا , وجامعات , ومعاهد ومؤسسات علمية متقدمة لإنجازها. توصل العقل البشري لحقيقة واضحة وجلية , أن التنمية لا تتم إلا بمرتكزات أساسية , تتمثل في عدة عوامل , منها الأولي والثانوي. الخطط المدروسة بعناية , ورأس المال اللازم , والموارد الطبيعية والبشرية, والإستقرار الأمني والسياسي. هل السودان يمتلك تلك المقومات ؟؟؟؟؟؟؟ أنعم الله على السودان بموارد طبيعية هائلة تفوق إحتياجات إنسانه, أراضي زراعية ومناخ متدرج تتنوع فيه المحاصيل , ومياه وفيرة موسمية ودائمة , وقوى بشرية وعقلية تساعد في نجاح التنمية. تبقت لنا أهم المرتكزات المتمثلة في الأمن والإستقرار السياسي, ورأس المال. نقول أن الأمن والإستقرار كان نسبياً ( مستقراً )( حتى ولو بفوهة البندقية , والكبت , وإقصاء كل من لم يكن معهم فهو ضدهم ) و ( وخلا لك الجو فبيضي واصفري ), وهذا يعني إنتفاء شرط عدم الأمن والإستقرار السياسي , حتى لو كنا مكرهين لا أبطال , ولأكثر من عقدين. رأس المال تدفق بنعمة البترول النقمة , مصاحبا لهذه الفترة . ولكن عدم الرؤية الواضحة للنظام لعملية التنمية , وترتيب الأولويات, وانصراف النظام لمرحلة التمكين , بشراء الذمم , والمساعدة في تقسيم المقسم وتحطيم المحطم , والعمل الجاد بسياسة فرق تسد , وتسديد فواتير المؤلفة قلوبهم ,وأصحاب أحد وبدر ومن هو بعد الفتح, أضاع أهم الفرص المتاحة وقتها . إنعدام الفكر الصائب , والإرادة الحقيقية لقيام هذه التنمية ,تظهر جلياً في ممارسات النظام , والتي تهيأت له كل أو جل مقومات التنمية , وأولها : إهمال متعمد لبنيات تنموية قائمة وموجودة على أرض الواقع , وأولها مشروع الجزيرة. ذلك المشروع العملاق , والذي يشهد له الجميع بأنه هو ركيزة الإقتصاد السوداني . وقد حمل هم الإقتصاد السوداني سنين عددا وما بخل ولا ضن , وبكفاءة عالية جعلت من بعض الجامعات العالمية , دراسة هذه التجربة الفريدة , بل إعتبرته أحد منجزات العقل البشري , في حسن إختيار المكان , والشكل الإداري الفريد والمتميز , والذي جعل من المزارع شريكاً أصيلاً في المشروع . هُدم هذاالصرح التنموي مع سبق الإصرار والترصد. تهالكت بنياته الأساسية, وشردت إدارته . حتى تلاشت مجاري الري فيه, وحُطمت خطوط السكة الحديد التي كانت تربطه , كما تلاشت وتبخرت المحالج , وتفرقت باقي الأقسام أيدي سبأ , أما إنسان المنطقة فول هارباً الى الداخل أو خارج البلد , هربا من الفاقة والفقر والذي كان لا يعرفه. أما مشروع تعلية خزان الروصيرص , كان أمنية طالما تغنى بها كل السودانيون , وأهل الإختصاص في الزراعة . هذا السد العملاق الذي وُضع جنوب الأراضي الفيضية بين النيل الأزرق والأبيض , ليكمل مع مشروع الجزيرة أضخم وأعظم المشاريع المروية في العالم , وبشق ترعتي كنانة والرهد تكون إكتملت الصورة مع ترعتي الجزيرة والمناقل , ولتصبح ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة قد توفر لها ري مستدام , في أرض حباها الله بكل ما تحتاجه وأكثر .واجتمعت فيها كل سبل النجاح . أراضي خصبة منبسطة تصلح للري الفيضي أو الصناعي , وتصلح لإنتاج أكثر من محصول , وثروة غابية تشغل مساحات واسعة كمصدات رياح طبيعية ,مع كثرة المحاصيل البستانية خاصة الموالح , وثروة حيوانية داجنة وبرية لا حصر لها , مع وجود شجرتي الهشاب والطلح والتي تمثلان الثروة الصمغية ( الغائبة ) كأحد المحاصيل الإستراتيجية العالمية . هذا المكونات قلَ أن تجدها مجتمعة في مكان واحد . وتفرت فيها كل عناصر النجاح , من موارد طبيعية , وطاقة , ومياه , ومناخ , وإنسان إمتهن مهنة الزراعة والرعي منذ ميلاده وبطبعه المحب المسالم البسيط , والأهم فيه إنه يمثل كل شعوب وقبائل السودان , دون عصبية قبلية أو جهوية . ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن , ليكون هذا الصرح الشامخ خارج خارطة حمدي الإقتصادية , ولذلك نرى هذا الإهمال المتعمد . هناك مشاريع النيل الأزرق والأبيض, ومشروع السوكي ومشروع الكناف (طيب الذكر) الذي سيم في سوق النخاسة . وإهمال للزراعة الآلية في القضارف والدالي والمزموم, التي لم تتوفر لها التقنيات الحديثة , وما زالت بدائية لحد الإشفاق, وقد عمل فيهم البنك الزراعي ما لم يفعله النجار في العود كما يقولون , سجناً وترهيباً , أفقرهم وأذلهم لدرجة الجنون والعزوف عن زرع زرعاً فهو زارع.. الكل يتذكر المشاريع التنموية التي بدأت في عهد عبود رحمه الله , والتي ما زلنا نأكل من خيرها , ومصانع الغزل والنسيج وتعليب الفاكهه , وتجفيف الألبان , ومصنع البصل والكرتون , ومدابغ الجلود , وخطوط مواصلات برية وسكك حديد كانت تفي آنذاك وتفيض , مع مراكز بحوث حيوانية ونباتية أصبحت أثر على عين . الكل يتحدث عن التنمية المتوازنة , ولو نظرنا للأمثلة الواردة , لوجدناها وُزعت بعناية فائقة , وبترتيب أولويات , مراعٍ فيه إحتياج الوطن وإنسانه وقتذاك.. المال الذي جرى في أيدينا ليس بالقليل , ولو سخرناه لتأهيل هذه المشروعات القائمة لتبدل الحال , وسمعنا ونسمع , جهراً وهمساً , أن السودان ومنذ أوآخر التسعينات , يصدير ما يقارب الخمسة أطنان من الذهب ( الذي ذهب) , ولكننا نسمع ضجيجاً ولا نرى طحناً.. ويا سبحان الله. لا ننكر أن هناك مشاريع تنموية قامت في هذا العهد , وزيادة الخير خيرين , ولكنها تفتقد لترتيب الأولويات , والحاجة الماسة والملحة لإنسان هذا الوطن . مثلاً المال الذي صُرف على سد مروي والمتبقي من دين هو على ظهر هذا الشعب المغلوب , وهو إنجاز مافي ذلك شك , ولكن لو صُرف ربع هذا المبلغ بدءً, لتأهيل ما هو كائن , لتبدل الحال , وما زالت النهضة التنموية لمشاريع سد مروي تحتاج الكثير . لماذا لا نستفيد من تجارب سبقتنا في اليابانوجنوب شرق آسيا , والذين إهتموا أول ما إهتموا به هو الإنسان من أمن غذائي يسد رمقه وصحة تجنبه الأمراض وتعليم متقدم حديث . أين هم ؟ وأين نحن؟؟؟ إنها الفرص الضائعة و(لو) تفتح عمل الشيطان...................