تعليقات في السياسة الداخلية سليمان حامد البشير ينسف تصريحات مستشارية الأمن قال السيد رئيس الجمهورية وهو يخاطب منسوبي القوات المسلحة في 16/2/2011. إن طرح الأحزاب السياسية تشكيل حكومة قومية أو ائتلافية غير وارد. لكنه يفتح الأبواب واسعة للأحزاب المشاركة بالحكومة حسب برنامج حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي طرحه خلال الانتخابات الماضية التي اكتسب شرعيتها منها. وأصبحت أمانة من الشعب سنردها في الانتخابات القادمة! و( الداير يشاركنا في البرنامج حقنا بفكره أهلاً وسهلاً)!!. وبذات الطرح الذي يهمش كافة قوى المعارضة أكد أن الحركات المسلحة إذا وقعت سلام دارفور أو لم توقع فلن يكون هناك تفاوض مرة أخرى. وسنعمل على الضغط على الحركات الرافضة بالخارج من خلال تأمين دول الجوار والعمل الداخلي للقوات النظامية.( راجع صحيفة الصحافة 17/2/2011). بمثل هذا الطرح الذي لا يقبل أي تفسير أو تأويل، يؤكد البشير أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يواصل سياساته التي أمعنت في الفشل وأدت إلى انفصال الجنوب وانهيار الاقتصاد وإفقار الشعب يقول ذلك دون أي اعتبار لحقائق الواقع. فالبشير يعلم أن الانتخابات التي أتت به إلى سدة الرئاسة وبحزبه إلى كراسي الحكم مزورة.زيفت فيها إرادة شعب السودان بكل الأساليب المخادعة والممارسات التي ما أنزل الله بها من سلطان. والعالم كله، ناهيك عن شعب السودان يعلم كل حقائقها. ولهذا فإن الشرعية التي يتحدث عنها شرعية باطلة وما بني على باطل فهو باطل. وشعب السودان يتعامل مع النظام كأمر واقع إلى حين ساعة الخلاص. أما حديثه عن ( لا مشاركة في الحكومة إلا وفق برنامج حزب المؤتمر الوطني)، فهو موجه للأحزاب التي لم تضبط إيقاع خطابها السياسي وتسرعت في إعلان قبولها الدخول في الحكومة ذات القاعدة الواسعة التي أعلنها النظام من قبل، وابتلعت الطعم ووضعت نفسها وجماهيرها في حالة لا تحسد عليها. إنها مطالبة الآن بالإفصاح عن موقفها للشعب وهل ستقبل المشاركة وفق برنامج حزب المؤتمر الوطني؟!. أما تصريحه عن عدم التفاوض مع الحركات المسلحة في دارفور إذا وقعت أو لم توقع، فهو حديث عالي النبرة هذه المرة لبديل الحل العسكري ومحاصرتها بدول الجوار في محاولة لتصفيتها نهائياَ. ألا يؤكد ذلك أن هذا استباق لتأكيد قيام الحرب حتى ( إذا وقعت)؟! يعني ذلك أن هناك أمراً مضمراً لدفع الحركات المسلحة للمواجهة وربما الإصرار على تقرير المصير أو الانفصال؟ ألا يعني ذلك أيضاً أن هناك إصراراً على تمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي في دارفور؟. إنها تصريحات تعبر عن ثقة مفرطة في تهويل الذات لا يسندها أي واقع موضوعي، ولا تتغط بما حدث في البلدان المجاورة من ثورات وانتفاضات. السؤال الذي يفرض نفسه بكل قوة: على ماذا استند السيد رئيس الجمهورية عندما ملأ فمه بمثل هذه التصريحات؟ قطعاً ليس على الواقع الذي تعيشه البلاد. فالواقع يقول أن شعب السودان يعيش حياة أشبه بالجحيم. فأسعار سلع ضروريات الحياة ارتفعت بصورة لم يسبق لها مثيل. فقد ارتفعت بمقدار 465مرة عن ما كانت عليه فيما مضي في الوقت الذي لم تطرأ فيه أي زيادات تذكر في المرتبات والأجور. والحد الأدنى لها لم يرتفع خلال العشرين سنة الماضية من حكم الإنقاذ سوى 7 مرات. والموازنة الأخيرة مثل سابقاتها تعاني من عجز سنوي مهول ويحدث نفس الشيء بالنسبة لميزان المدفوعات، وتقلص رصيد البلاد من العملة الصعبة في الخارج إلى مبلغ لا يغني ولا يسمن من جوع. والسودان غارق في الدين الذي بلغ أكثر من 40 مليار دولار . يحدث هذا وغيره في وقت فقدت فيه البلاد عبر الخصخصة معظم المرافق التي كانت ركائز للاقتصاد السوداني وملاذاً لتوفير العملة الصعبة. والبطالة والمهن الهامشية والمشردون والمعاشيون، يمثلون اكثر من 45% من السكان. ومع ذلك وبالرغم من يلتهم الفساد المليارات كما جاء في تقرير المراجع العام. وليس هناك أفق منظور للخروج من الأزمة الشاملة. فالحديث عن اكتشافات للبترول تعويضاً لما بعد الانفصال، خالٍ من المصداقية. فإن ما تتحدث عنه الشركات المنقبة في طول البلاد وعرضها في الشمال لم تجد سوى حقل واحد في منطقة واوات جنوبكوستي، وأن إنتاجه عندما يستخرج لن يزيد على ما بين 20إلى 30 ألف برميل في اليوم. لكل ذلك، فإن البشير يطلب من الواقع ما ليس فيه، ولهذا لا يتعدى حديثه المثل السوداني( أنفخ ولو حملك ريش)، ولا يعدو الرغبة الذاتية في تخدير الجماهير بحبال بلا بقر، وتفخيم للذات سرعان ما يحجمه الواقع الموضوعي المعاش. من جهة أخرى فإن الرئيس البشير ينسف مصداقية مستشارية الأمن القومي التي صرحت بعد لقائها بعدد غير قليل من الأحزاب المعارضة، أنها تحضر لحوار مع كل هذه القوى يبدأ في مارس 2011 ويستمر لنحو ثلاثة أشهر للاتفاق على بيئة سياسية وقانونية خلال المرحلة المقبلة التي تلي انفصال الجنوب. وقال الفريق صلاح قوش مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف وقادة الأجهزة الإعلامية في 16 فبراير 2011، أن الحوار سيشمل قضايا الدستور والحكم و الفيدرالية والنظام الرئاسي والحقوق والحريات والاقتصاد والمجتمع والثقافة والعلاقات الخارجية. فكيف يتسق هذا الطرح مع حديث السيد رئيس الجمهورية عن ( لا مشاركة إلا وفق برنامج حزب المؤتمر الوطني). فهل ما تدعو له مستشارية الأمن الوطني هو حوار علاقات عامة أم كسباً للوقت، أم كما قال البشير( الداير يشاركنا في البرنامج حقنا بفكره.. أهلاً وسهلاً). بمثل هذا القول يتلاشى أي أمل في المشاركة الجادة التي هدفها الأساسي تصحيح كافة سياسات الإنقاذ منذ استيلائها على الحكم بهدف إنقاذ البلاد من أزماتها الشاملة وإجراء التغيير اللازم في كل مفاصل ودستور وقوانين البلاد. وبمثل هذا الطرح من رئيس الجمهورية فإنه لا يترك لشعب السودان سوى خيار واحد: الخروج إلى الشارع بتهيئة كل الشروط اللازمة لهذا الخروج.