تحليل / هاشم عبد الفتاح [email protected] للفساد وجوه ومعايير عديدة فالذي ينهب بنكا او يجنب المليارات من حساب احدي مؤسسات الدولة لحسابه الخاص ليس با خطر علي هذه الدولة من ذلك الذي يستخدم معيار المحسوبية او الولاء القبلي او التنظيمي في تقسيم فرص العمل والتوظيف في المؤسسات العامة ..قد يري البعض ان الفساد الاداري هو بمثابة الافيون الذي يفتك بعقول وافكار الحكومات ويخرجها من رشدها ولهذا فانه من المنطق ان تبتدر الحكومة خطوات حقيقة للاصلاح المالي عبر بوابة الاصلاح الاداري ومكافحة المحسوبية والانشطة الطفيلية التي تتكي علي ظلال السلطة والسلطان وتبني لها اعشاشا واوكارا داخل المنظومة الاقتصادية في البلاد فكم من المشروعات التي اشرأبت لها الاعناق الافئدة وغنت لها الحكومة وتعلقت باستارها امال الفقراء والكادحين من لدن مشرعات كنانة والرهد \"والجزيرة\" وحتي الانقاذ الغربي مرورا بمشروعات اخري ضاعت بين اضابير الدولة لا تقل اهمية او استراتيجية من تلك المشروعات لكنها اجهضت وتبددت احلامها دون ان يسال عنها احد انه الخطر الحقيقي ومكمن الازمة الاقتصادية في السودان .. صحيح ان المظهر العام بشان قضية الفساد يعكس حقيقة حجم الانتهاك والتعدي الذي طال خزانة الدولة عبر ايدي \"عابثة\" لاتبالي بالقانون ولا بالاخلاق اوالقيم الاسلامية في بلد يتبني الشريعة منهاجا للحكم ويعلي من شان المفاهيم الاسلامية سلوكا للحياة والمعاش فالمراجع العام تتحدث تقاريره عن واقع مخيف و مثير للدهشة والاحباط ولا يعكس حقيقة تطبيق هذه القيم علي الواقع . ولكن ان ياتي التدارك اوالرغبة في المعالجة متاخرا خيرا من الا ياتي وكانما الخطوة الاخير التي اتخذها السيد رئيس الجمهورية بتكوين الية لدك\" حصون\" الفساد وتفكيك امبراطوريته عبرمفوضية خاصة تتولي اعباء مكافحة الفساد ..ربما يعتقد البعض ان هذه الخطوة لاجديد فيها بحكم ان هناك اليات وادارات ونيابات متخصصة قائمة اصلا و تعمل جميعها في اطار ضبط المعتدين علي المال العام ومعاقبة المفسدين فالبرلمان الوطني كان قد سبق خطوة السيد رئيس الجمهورية قبل اكثر من عام وبادر بتكوين منظمة تعني بقضية الفساد تحت مسمي \" برلمانيون من اجل الفساد\" ولكن وقتها لايبدو ان الطريق امام هذه المنظمة كان مفسحا اوسالكا حتي ينال هؤلاء \"البرلمانيون الناشطون \" مبتغاهم في سبيل تخفيف وطاة الفساد علي الواقع الاقتصادي السوداني ولكن بعض الحاكمين الذين ربما يرعون انشطة طفيلية ينظرون بشي من \"الريبة \"والتوجس لهذا التحرك في اتجاه محاربة الفساد ورغم ان البرلمان يعتبر الجهاز التشريعي الذي اعطي الحق لملاحقة الفاسدين وسن تشريعات تكافي هذا الحق وفيما يبدو ان هذه الالية او المنظمة كانت تنتظر قوة دفع اخري من قمة جهاز الدولة حتي تجد القبول والاعتراف من المؤسسات الحكومية وبالتالي التعامل معها ..البعض يظن ان اي حديث بشان تحريك ملفات الفساد لا يخرج من اطار التعابير السياسية التي تنسجم مع مطلوبات المرحلة التي تواجهها الحكومة علي المستوي الداخلي والاقليمي وحتي الدولي ولكن الحكومة ربطت الدعوة لانشاء مفوضية للفساد بمعطيات وتحولات سياسية واقتصادية تعايشها الحكومة الان فعلي المستوي السياسي فان الحكومة في اشد الحاجة الي خطاب سياسي راشد يكون اكثر تعبيرا لمضامين العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان والشفافية والمساواة وبالقدر الذي يلبي مطالب الجماهير ويزيل حالة الاحتقان المفروض علي المشهد السياسي في والجزء الاخر من مبررات الدعوة \"الرئاسية \"لتكوين هذه المفوضية فهي التحولات الاقتصادية الناتجة عن حالة الانشطار في الكيان السوداني وذهاب الجنوب \"جنوبا\" تتبعه نسب مقدرة من ايرادات النفط كانت تجد طريقها الي خزينة الدولة وفقا لاتفاقية نيفاشا الامر الذي دفع بالحكومة الي اتخاذ تحوطات واجراءات وقائية لحفظ التوازن في الاقتصاد ومن بين هذه الاجراءات انتهاج سياسة الترشيد وربط الاحزمة علي \"البطون \" ووضع حد للهدر في المال العام والتفكير في معاقبة كل منتهكي اموال الشعب مهما كانت مستواتهم السياسية والدستورية في المنظومة الحاكمة حسبما جاء في حيثيات دعوة البشير لانشاء هذه المفوضية وان كان الفساد المالي الذي تنوي الحكومة مكافحته عبر مفوضية خاصة فان المنطق يفرض علي الحكومة ان تتعامل مع هذه القضية باعتبارها احد الوجوه الشائهة في الدولة السودانية وان المطلوب تعميم فكرة المعالجة لكل الوجوه الشائهة الاخري علي ان تكون هناك مفوضيات اخري لوضع معالجات \"للجنوح القبلي \"واخري للخدمة المدنية لجسم افة المحسوبية والبيروقراطية من اجل خدمة مدنية راشدة تعلي فيها قيمة الامانة والكفاءة علي الولاء السياسي والتنظيمي والجهوي خصوصا ان هذه المنطلقات هي ذات الشعارات التي تدخل بها الدولة السودانية الان مرحلة الجمهورية الثانية والتي كانت ايضا ابرز ملامح البرنامج الانتخابي للسيد رئيس الجمهورية في الماراثون النتخابي السابق . اذن المطلوب خطوات عملية لخدمة الحكومة في اتجاهين اساسين الاول ان تعيد للدولة هيبتها وقوة قراراتها وولائها علي المال العام ومن ثم تحفظ للاقتصاد السوداني توازنه وتماسكه وموارده في مرحلة سياسية فاصلة من تاريخ السودان اقل ما يمكن ان يقال عنها انها مرحلة التكوينات الجديدة للدولة السودانية من منطلقات الجغرافية والسياسة والاقتصاد .