حضرنا ولم نجدكم.. إدانة لحكومة المؤتمر الوطني ياسر علي نايل الأمر الغريب أن فشل مسيرة المعارضة بميدان أبو جنزير- قد وجد تهليلاً وتهويلاً من أنصار حكومة المؤتمر الوطني- وصنعوا منه مادة للسخرية والتريقة في المعارضة ووصفوها بالضعف والفشل- كما أنّهم قد احتفلوا بعبارة الأستاذ محمد إبراهيم نُقد التي كتبها على- كرتونة- حضرنا ولم نجدكم وقد امتلأت أعمدة الصحف تتحدث عن ضعف وخذلان أحزاب المعارضة والتي وصفت بالجُبن وبالكثير من العبارات المسيئة لأنها فشلت في تحريك الشارع ضد حكومة المؤتمر الوطني. رغم أن الغرض الذي كنّا نعلمه عن هذه المسيرة ما كان يحمل هذا المعنى- وأقول إني لست من المدافعين عن الأحزاب لأني صاحب رأي شخصي حول أدائها-رغم أن الكثيرين من الشعب السوداني يحلمون بأن تكون من أسباب نصر قضيتهم الضائعة-وأقول وبكل أسف ودائماً فإن أنصار المؤتمر الوطني يتحدثون بما يزكي أنفسهم ويؤكد قوتهم ويبالغون في الحديث عن ضعف الآخرين-ونحن بصدد التعليق على هذه الحادثة التي كانت السبب في الإساءة للأحزاب وهم مجموعة مُقدّرة من الشعب السوداني وقد كان من الضروري أن يسأل الذين تحدثوا عن فشل المسيرة ومنذ أن تنادت الأحزاب لهذه المسيرة تأييداً ودعماً للثورات التي حدثت في الدول الشقيقة مثل تونس ومصر وأخيراً ليبيا-وهي أحداث كبيرة وواجب الشعب السوداني أن يكون صاحب رأي حولها بل ومؤيداً وداعماً لها-ولكن نظام الإنقاذ قد كان له رأي حول هذه المسيرة منذ أن تم الإعلان عنها فقد كان رأيه في هذه المسيرة حوله الكثير من سوء الظن وقالوا عنها إنها مؤامرة وتدبير من أجل القيام بتخريب وإثارة الفوضى بأمن البلاد واستقرارها، ولذلك تمّ التجهيز والاستعداد لهذه المسيرة ومنذ فجر يوم الأربعاء امتلأ ميدان أبو جنزير بعدد كبير من رجال الأمن المدججين بالأسلحة وقاموا بتطويق الميدان من كل جوانبه منعاً للدخول إليه من كل الجوانب - وقد كان أول المعتقلين هم منسوبو الصحافة والتي جاءت مبكراً للميدان ثم الأستاذ محمد إبراهيم نقد وقبل اعتقاله استطاع أن يكتب عبارته الذكية حضرنا ولم نجدكم، ورغم أن هذه العبارة قد اتّخذت من أداة سخرية بالأحزاب قيادة وجماهير ولكن الحقيقة أن عبارة نقد قد جاءت وفيها أكبر إدانة لنظام المؤتمر الوطني والذي يتصدى وبقوة السلاح لإجهاض مسيرة سلمية يؤيدها الدستور والقانون. وهي من أبسط وأقل الحقوق التي تعبر عن حرية وكرامة الشعب السوداني-ولكن بكل أسف فقد تمّ التعدي على هذه الحقوق مع سبق الإصرار والترصد. وهذا كما أسلفنا أمر يُخالف القوانين الدستورية ويحرض على استفزاز جماهير الشعب السوداني-وقد أكد الأستاذ فاروق أبو عيسى أن ميدان أبو جنزير قد كان ممنوعاً من الدخول إلى ساحته لأنه عندما جاء وقبل الدخول تمّ ضرب عربته وتهشيم زجاجها. وهذا هو الذي حدث تماماً، وقد كنّا نتمنى من الحكومة أن تستحي وتصمت على ما ارتكبته من خطأ في حق نفسها لأنها قد اعتدت على حق جماهير أرادت أن تعبر عن نفسها- وقد كانت هناك اعتقالات وطرد وتهديد بقوة السلاح، وأقول إني لست من أنصار ما يحدث في دول مجاورة من أجل التغيير، والذي تسيل من أجله الدماء وتُزهق الأرواح ولكني من الذين يتمنون التغيير العاجل ولكني أتمنى أن يحدث بالحسنى لأن واقع بلادنا لا يسمح بأي وضع يهدد الأمن ونحن لا زلنا لم ننته من مخلفات الانفصال وخاصة وهناك قضايا لم تحسم حتى الآن مثل الحدود كما أن قضية دارفور تحتاج لوحدة الكلمة وعدم الانصراف إلى أي قضايا جانبية مثل ما نسمع به من حولنا، ورغم هذه المحاذير فنحن نريد ونتمنى أن يحدث التغيير وبقناعة من الحزب الحاكم ونحن في حاجة لتغيير سلمي ولا نُريد كشف المستور وما نسمع به من فضائح عن الأنظمة التي رحلت وقد كانت توهم شعبها بأنها مثال للنزاهة والأمانة، ونريد من حكامنا أن يصلوا إلى تحقيق رغبة الجماهير وأن يعلموا أن الأغلبية لا ترغب في استمرارهم أكثر من هذه السنوات الطويلة ولا نُريد أن نُعدد الأسباب لضرورة الرحيل أو التغيير ولكني ومن أجل ذلك أريد أن اذكر مقولة تاريخية كثيراً ما سمعتها يرددها الأستاذ بدري مقبول وفي عهد الحكم التركي على السودان قام الحاكم آنذاك بجمع الولاة وكبار رجال الدولة وطلب منهم أن ينصحوه بتقييم نظام الحكم وفي كلمات قليلة لا تزيد على ثلاثة أو أربعة أسطر وقد كان من المعنيين بهذه النصيحة آنذاك جدنا الأمين محمد نور السرورابي الجموعي وقد كان يشغل وظيفة رئيس قلم المستخدمين وقد جاءت نصيحته للحاكم التركي في شجاعة وقوة ودون أن يخشى فيها ما يحدث له. وقال للحاكم «كثر شاكوك وقل شاكروك إما اعتدل أو اعتزل» وقد وجدت هذه النصيحة القبول التام من الحاكم التركي بل وشكر عليها جدنا الأمين محمد نور رحمه الله، ونحن الآن نتمنى أن يكون في نظام الإنقاذ من يقولون هذه النصيحة ويجهرون بكلمة الحق لمن حولهم، ونحن على ثقة ومهما كثر المطبلاتية وحارقو البخور للأنظمة الحاكمة- فلابد أن يكتب الله للتغيير أن يصبح حقيقة لأنّه يوجد من يحملون في داخلهم الصدق والأمانة وأن يعترفوا بأن في بلادنا من يجأرون بالشكوى من سوء أحوالهم. ولكن أصواتهم لا تجد من يسمعها لأن أصحاب المصالح يحجبون الحقائق. والآن وكمثال فإنّ ما تحدثنا عنه يعتبر خطأ فادحاً من الحكومة وقد كان من الواجب أن تجد من يقول لها من بين أهلها هذا خطأ بل وخطأ كبير في حق الشعب السوداني بالوقوف ضد مسيرة سلمية- وبما أننا لم نجد أو نسمع من يقول ذلك بل ظللنا نسمع بالعبارات الجارحة والمسيئة ووصفها بالجبن لقادتها وهروب بعضهم من المسيرة-وإننا نقول بأن مثل هذه التصرفات فيها الكثير من أسباب إشعال الفتنة بين فئات الشعب السوداني وهم من ضمن جماهير هذه الأحزاب- وإننا نُريد أن تفهم الحكومة أن بين قيادات هذه الأحزاب وجماهيرها من لهم النظرة الوطنية وعندهم إحساسهم بواقع البلاد وما حوله من مهددات وقد ظلت هذه النظرة الوطنية هي السبب الذي يمنعهم من الدخول في احتكاكات قد يحدث منها ما يزيد من تعقيدات ومشكلات الوطن، إنني أتمنى من نظام المؤتمر الوطني مراعاة هذه المواقف وتقديرها-كما نرجو منهم أن يحسنوا الظن بهذا الشعب الطيب.. ويجب ألا يوصف بأنه جبان ولا يستطيع الثورة أو التغيير بل هناك اعتبارات وطنية هي التي تجد الاعتبار الأول-ونتمنى ألا يتمادى نظام المؤتمر الوطني في الأخطاء وإحساسه دائماً بأنه هو الأقوى بدون أن يعمل حساباً لغضب الجماهير والذي أتمنى ألا يأتي اليوم الذي يتفجر فيه هذا الغضب. وختاماً أقول اللهم قد بلغت فاشهد.