في زمان مضي كانت هنالك جملة معهودة داخل البصات السفرية التي تصمم هيكلها ورشة سودانية شهيرة لصاحبها رجب مرسال وآخر . الجملة تقول " العفش داخل البص علي مسؤولية صاحبه " مع أن عدد النشالين والحرامية كان قليلاً مقارنة بما هو عليه اليوم . أما خارج هذه البصات فكان كل شيئ علي مسؤولية الحكومة " ما قبل انقلاب 30 يونيو المشؤوم " . العلاج والدواء والعمليات الجراحية كانت مجاناً علي نفقة الحكومة . والتعليم ومستلزماته كلن علي مسؤولية الحكومة بما فيه إقامة الطلاب والطالبات في الداخليات والكتاب المدرسي والقلم بنوعيه " رصاص وحبر سائل " والكراسات بالإضافة لمرتبات المعلمين والمعلمات التي تصرف في موعدها بلا تأخير . وكان الطلاب الحاصلين علي الشهادة الثانوية يسجلون أسماءهم لدي ديوان الموظفين العموميين الذي يتولي توظيفهم في المصالح الحكومية المختلفة . خريجو الجامعات توظفهم لجنة الاختيار للخدمة العامة بعد معاينات عادلة وغير مضروبة ، ويندر أن تجد خريجاً عاطلاً بعد مضي خمس سنوات علي تخرجه . مشروع الجزيرة أيضاً كان علي مسؤولية الحكومة التي توفر مستلزمات زراعة القطن وبقية المحاصيل ، فأصبح بفضل الاهتمام الحكومي سلة غذاء السودان . وجاءت " الإنقاذ " فصار السودان " شكلة بدون حجاز " . ولم يعد فقط العفش علي مسؤولية صاحبه ، بل صار العلاج علي مسؤولية المريض والتعليم مسؤولية الطلبة والزراعة مسؤولية المزارع وأغلقت المصانع . وركب الخريجون والخريجات التونسية ، أما الحرفيون والحدادون فقد " دقشوا " الخلا ولسان حالهم يقول " بلاء ولا انجلي " . وتفشت البنوك وفي جوفها الصكوك والمضاربات التي تنهب " أبوك " ، كما تفشت صفحات " الفيس بوك " . عندما كان كل شيء علي حساب الحكومة ، كانت الميزانية العامة أقل من مليار دولار . وعندما أصبح كل شيئ علي حساب المواطن كان دخل " الإنقاذيين " من البترول والجبايات أكثر من عشرين مليار دولار . لماذا حدث ما حدث ؟ لأن المال العام بات علي مسؤولية السدنة والتنابلة ولكل " فار " جحر ولكل " سوسيوة " صقر . من نكات الموسم أن أحدهم قال أمام رهط من الهتيفة " في مكافحة الفساد تلقونا قدام " . أما قدام هذه فبلا شك هي الأموال المنهوبة في تقارير المراجع العام ، والقصور الكائنة في المنشية أو ساق النعام وكلو يا فندم تمام . الميدان