مشروع طاغية ..! منى أبو زيد [email protected] بعد أن عصفت الثورات العربية بشعور أنظمتها، تحسست حكومتنا رأسها، ثم تفتق ذهنها عن حل عبقري مفاده أن تتبنى (هي) مشروع الحلاقة، فسمحت لحناجرها بتوجيه الأسئلة عن الفساد إنابة عن أفواه الشعب، ثم أوغلت أكثر، فقررت أن تجيب سيرة البحر على طريقتها (التقليل من شأن الآخر .. ذكاءه، قوته، ومقدراته على صنع التغيير) ..! هل سألت نفسك يوماً عن مدى حسن تقدير هذه الحكومة لكم ذكائك وكيف مقدراتك على زحزحة عروشها إذا لزم الأمر ؟! .. إن الإجابة الدقيقة على هذا السؤال هي مكمن الداء، وأس البلاء ..! هل تنشد المزيد من التأكيد؟! .. ما عليك سوى أن تقلب الطرف قليلاً، تأمل في مناخات الممارسة السياسية، وطقوس الخدمة المدنية، تفرس في سلوك البشر الخطائين، ولسوف تخلص قانعاً إلى أن كل مسئول تبوأ منصباً بفضل ولائه السياسي، هو مشروع طاغية، قنبلة استبداد موقوتة .. تك .. تك .. تك .. بانتظار أن تنفجر على أم رأسك، أو أن تُبطل مفعولها ثورة تغيير ..! القليل من السلطة يعني القليل من الفساد، والسلطة المطلقة تعني الفساد المطلق – هكذا أرخ اللورد أكتون في مقولته التي ذهبت مثلاً – فإذا أرادت هذه الحكومة أن تراجع ملفات الفساد – حقاً! - عليها أولاً أن تعيد قراءة فلسفتها في ممارسة السلطة ..! هنالك باحث دءوب– أعتقد أن اسمه يورج - أفنى ثلاث سنوات من جهده المهني لدراسة ظواهر وأمراض السلطة، فخلص إلى ثلاث نتائج، أولها أن ثلث القياديين الذين يصلون إلى مناصب صنع القرار بقدر الولاء لا بمقدار الكفاءة، تتبدل شخصياتهم على نحو مذهل، وتتلون طبائعهم بحزمة صفات فاسدة أهمها : الاستعراض، تقريب المهملين، تضييع الوقت في برامج غير مجدية، الحفاظ على مظاهر الأبهة في المكتب بجانب السكرتيرة الجميلة، وحشر الأنف في كل صغيرة وكبيرة، تقريع الآخرين على أخطاء لا تستحق، ثم الرغبة في تحطيم كل نفس كريمة تستنكف التزلف وتأنف عن تقديم فروض الولاء والطاعة ..! وثانيها : إيهام الأدنى منهم لسيده الأعلى أن كل شيء تحت السيطرة، وانتشار ثقافة توثيق الانتصارات، والتعتيم على المصائب، حتى تفوح الروائح، فيحين أوان الكي أو البتر ..! أما ثالثة نتائج بحث الرجل فهي الهروب .. ثم الهروب .. ثم الهروب عندما يحدث الانهيار .. لا بد أنك الآن تبتسم، وأنت تفكر في بعض السادة المسئولين الذين عرفتهم ..! أرسطو يقول إن خضوعك لأمثال هؤلاء المستبدين بإرادتك يعني أنك خلقت لكي تكون عبداً .. أما اغتصاب أحدهم للسلطة وتأسيس حكمه على قهرك، غير مكترث بقانون أو عرف، فهو يعني وقوع طغيانه عليك بإرادتك ..! وهو يعني – بالضرورة! - أن تاريخك مع الثورات والانقلابات في هذا البلد سوف يبقى سلسلة انتقالات من سواعد المستبدين إلى أكف الطغاة، إن لم تتغير (أنت)، تغييرك لا يعني أن تهدم جبلاً أو تحفر بئراً، فقط جرِّب أن تفرد مساحة مقدرة لكلمة (لا) في رقعة ردود أفعالك ..! أما هذه الحكومة، إن أرادت إصلاحاً، فعليها أن تدرك انهيار جهازها المناعي بمضادات المحاسبة العلنية .. أن تعلن نفرة مشروع النظافة .. أن تكنس دارها من مشاريع الطغاة، قبل أن تسعى لمشروعية البقاء ..! منى أبو زيد [email protected]