د. يوسف نور عوض أعلنت مصر أنها ترشح الدكتور مصطفى الفقي أمينا عاما للجامعة العربية خلفا لعمرو موسى الذي توشك فترة توليه أمانة الجامعة على الانتهاء، وقد مر هذا الخبر مرور الكرام في وقت تنتشر فيه الاضطرابات المطالبة بالتغيير في العالم العربي، وبصرف النظر عما ينص عليه ميثاق الجامعة العربية بشأن تعيين أمينها أو مؤسساتها، فالسؤال المهم يبقى هو: لماذا يرشح لمنصب أمين الجامعة العربية مصري بعد فترة طويلة من احتكار مصر لهذا المنصب، ولا أعترض من وجهة نظري على أن يكون أمين عام الجامعة مصريا أو غير مصري، ولكن بما أن الجامعة العربية بها أكثر من عشرين دولة فالطبيعي أن تكون أمانة الجامعة العربية مناوبة بين الأعضاء، ذلك أنه إذا ظل الحال كما هو الآن فإن الموقف الطبيعي للدول العربية سيكون تجاهل وجود الجامعة ذاتها، وتركها تفعل ما تشاء طالما أنها لا تحظى بالتأييد من هذه الدول.. وكما هو معروف فإن مقر الجامعة العربية محدد في مصر، وهكذا ظلت مصر تعتبر احتضانها للجامعة العربية أمرا طبيعيا بكونها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وكانت في مرحلة من المراحل تقود العمل القومي العربي، على الرغم من وجود كثير من السلبيات كانت سائدة بين قيادة مصر في تلك الفترة، ذلك أن القيادة المصرية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت تقسم العالم العربي إلى تقدميين ورجعيين. وكان التقدميون هم الذين يعتقدون في المفهومات الاشتراكية واليسارية، وأما الرجعيون فهم الذين يقبلون القيم التقليدية السائدة في العالم العربي ولا يجنحون إلى التغيير، ولا شك أن هذا النوع من التقسيم أوجد شروخا كبيرة في العلاقات العربية وعطل عملية التعاون الاقتصادي خاصة مع عدم وجود أرضية مشتركة بين الدول الغنية والدول الفقيرة في هذا العالم. والمسألة لا تتعلق بمن يتولى قيادة الجامعة العربية، بل تتركز في أهمية الجامعة العربية ذاتها، وما إذا كانت هناك ضرورة لوجودها؟ ولا تقتصر مثل هذه الأسئلة على الجامعة العربية وحدها بل تنسحب أيضا على المؤسسات المماثلة مثل هيئة الأممالمتحدة التي بذل أمينها العام الحالي جهودا كبيرة من أجل إصلاح نظام الفيتو فيها، ولكنه فشل فشلا ذريعا، وهكذا ترك الأمر على حاله ليصبح مجلس الأمن بطة عرجاء غير قادر على أن يتخذ أي قرار دون موافقة الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ويمكن إطلاق الوصف نفسه على جامعة الدول العربية التي يحتم ميثاقها على أن تتخذ قراراتها بالإجماع وليس بالأغلبية دون التساؤل كيف يمكن للدول العربية أن تتفق على رأي واحد مع ما بينها من خلافات وتباين واضح في نظم الحكم؟ وربما لا تبدو مثل هذه الأسئلة هي الأهم في هذه المرحلة من مراحل الجامعة العربية، لأن الأهم هو التساؤل عن أهمية الجامعة العربية ذاتها والدور الذي يمكن أن تلعبه لصالح المجتمعات العربية، وهنا لا نريد أن نسير وراء الوهم بأن الجامعة العربية هي بيت العرب وهي المؤسسة التي يمكن أن تقود العمل السياسي والاقتصادي في العالم العربي لصالح الأمة العربية بأسرها لأن ذلك أمر لم يتحقق خلال تاريخ جامعة الدول العربية الطويل، وليست هناك ملامح تؤكد أنه قد يتحقق في المستقبل القريب بسبب اختلاف المصالح العربية والتنافس غير الإيجابي بين الدول العربية، مع وجود بيئة أجنبية لا ترى مصلحة لها في توحد العرب أو في عملهم مع بعضهم بعضا في إطار مشترك، وذلك ما يجعل معظم الشعارات المنتشرة في العالم العربي في الوقت الحاضر فارغة من المضمون خاصة عندما توصف الانتفاضات السائدة في العالم العربي في الوقت الحاضر بأنها انتفاضات شبابية، والغرض من ذلك هو إظهار أن التخلف السائد في العالم العربي سببه القيادات غير الشبابية متناسين أن العقيد معمر القذافي حين استولى على الحكم في ليبيا كان في مطلع الثلاثينيات من عمره، وكان ذلك حال الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس حسني مبارك وهو حال الرئيس بشار الأسد الآن، فلماذا إذن لم تتحقق ثورة الشباب في بداية حكم هؤلاء القادة؟ الإجابة هي أن المسألة لا تتعلق بوجود الشباب أوغيرهم، فقد رأينا في العالم الغربي قادة من أمثال ونستون تشرشل وأيزنهاور ولم يكونوا من الشباب ومع ذلك كانت بلادهم في قيادة العالم لأن الأمر لا يتعلق بأعمار الحكام بل يتعلق فقط بالنظرية التي يقوم عليها نظام الحكم، وهي نظرية غائبة في العالم العربي بكون الجميع يتحدثون الآن عن التغيير والثورة ولكنهم لا يعرفون كيف يحدث التغيير بعد الثورة، والدليل على ذلك ما حدث في مصر وما حدث في تونس وما هو محتمل أن يحدث في أكثر من بلد عربي دون أن يكون هناك تصور لكيفية حدوث التغيير. وهنا أجد نفسي مضطرا للعودة لأفكار ذكرتها من قبل وتتركز حول حقيقة أن التغيير لا يعني فقط أن تكون هناك حكومة جديدة، بكون فكرة التطوير عن طريق الحكومات فكرة موروثة من عهود الاستعمار، إذ كان معظم المواطنين في الدول المستعمرة يرون أن أقدارهم في أيدي الدول التي تستعمرهم وأن الانعتاق من هذا الواقع لا يكون إلا بأن تتحول السلطة إلى أيدي أفراد من الشعب، وهذا هو الأساس الذي قامت عليه معظم الحركات الوطنية في العالم العربي، التي ظنت أنها قادرة على تحقيق الإصلاح بمجرد زوال المستعمر وتحول السلطة إليها، ولكن : بمجرد أن خرج المستعمر وجدت القيادة الوطنية أنها غير قادرة على تحقيق التحول، وذلك ما فتح المجال لموجة الانقلابات التي سادت العالم العربي، والتي أدت إلى ظهور النظم القمعية والاستبدادية التي يجد العالم العربي متعة كبيرة في الوقت الحاضر وهو يشاهدها تتهاوى دون أن يحفل كثيرا بالبديل الذي يمكن أن يحل محلها. ويدعونا ذلك إلى التركيز في هذه المرحلة على البديل الذي يتطلع إليه العالم العربي، وهو بكل تأكيد ليس بديلا أيديولوجيا أو عقديا بل هو بديل تتعايش في داخله كل النظم والاتجاهات في إطار المصلحة الوطنية العليا، وذلك ما يدعونا إلى أن نعرف النظام الديمقراطي الذي يزدهر فيه مثل هذا النظام، على أنه نظام لا يقتصر فقط على آلية الانتخاب، لأن معظم الناس في العالم العربي يعرفون أن الانتخابات تمارس في العالم العربي منذ زمن طويل ولكنها لم تفرز نظما ديمقراطية ذلك أن الانتخاب قد يأتي بالدكتاتور وقد يأتي بالقبلي أوالطائفي أوالعنصري، أما النظام الديمقراطي فيعتمد على الأطر الحزبية المنطلقة من أهداف وطنية كما هو الشأن في بلد مثل بريطانيا، حيث لا يشعر الناس بالقلق وهم يقدمون على صناديق الاقتراع بكونهم يعرفون أنهم يصوتون لمبادىء الحزب الذي سيكون حريصا على مراقبة أعضائه والتأكد من أنهم سيلتزمون بالمبادىء التي خاض الانتخابات على أساسها، ويتبين في ضوء ذلك أنه في غياب رؤية نظام حقيقي يخدم مصالح الشعوب فإن عمليات التغيير لا تكون سوى أعمال درامية يتسلى الناس بوقوعها، وذلك ما يلاحظ في تطور الأحداث في ليبيا واليمن وغيرها من البلاد العربية في الوقت الحاضر، فهل يتوقع أحد أن تتحول ليبيا الآن إلى دولة ديمقراطية بعد سقوط النظام أو أن يكون ذلك حال اليمن على سبيل المثال؟ ولماذا يكون التركيز في العالم العربي على بلاد دون غيرها مع أن الكل في الهم شرق؟ لا شك أن عملية التحديث والتغيير تأخرت كثيرا في العالم العربي، وقد آن الوقت ليحدث التحول، غير أن التحول لن يحدث فقط بالثورات الشعبية، بل لا بد أن يكون هناك تغيير في النمط الثقافي الذي يعيش فيه العالم العربي، لأن هذا العالم ما زال يعيش في إطار ثقافة مغلقة وبعيدة كل البعد عن الثقافات التي أحدثت التغيير في كثير من بلاد العالم. ' كاتب من السودان القدس العربي