بسم الله الرحمن الرحيم انقلاب خاتم يونيو: استراتيجية وعقلية انقلابية محمد ابراهيم العسقلانى [email protected] الانقلابات العسكريه عادة تلد الانظمة الشموليه فيحل البرلمان وتحظر الصحف الا صحيفة ناطقه باسم الانقلاب و تعلن حالة الطوارىء . ومع هذا التعطيل للحياة السياسيه تبنى الاجهزة الامنيه لتامين النظام عبر التنكيل والقمع والتعذيب الرهيب واشاعة الرعب ، فيما يتولى الاعلام ادانة العهد البائد ومدح الرئيس القائد وتقام المهرجانات والاحتفالات فى الساحات المكتظة بجماهير محشودة. فى ظل هذه الانظمة تعلو اجهزة الدولة ويهمش المجتمع المدنى وتضرب منظماته ، اما داخل الاجهزة فالغلبة للاجهزة الامنية والعسكرية فتبرز القبليه و الطائفيه كمؤسسات حمايه وتتفشى العنصريه والاقليميه كبديل فى الفراغ السياسى كما يشيع الفساد بسبب الطغيان وضعف الرقابة وانعدام الشفافية وسيادة الاحتكاروالمحسوبية. وبالرغم من شدة الوطأة على الداخل عبر مصادرة الحريات وانتهاك الحرمات يعتبر هذا النوع من الانظمة الاطوع للخارج والاقدر على تمرير التنازلات كما انه الاحوج للدعم الاجنبى بسبب محدودية قاعدتة الشعبية وافتقاره للشرعية. ورغما عن كل ما ذكرنا اختارت قيادة الحركه الاسلامية الطريق الانقلابى لبناء سلطتها وانفاذ مشروعها الاسلامى كخيار سياسى تبلور منذ السبعينات! وبعد اعتقالات مارس 85م كادت ان تغامر بالتحرك العسكرى لولا الانتفاضة الشعبية ، وبعدها اجتمع مجلس شورى الحركة مفوضا الامين العام بانجاز التغيير العسكرى فى الظرف المناسب . اذا هناك عقلية انقلابيه وبرنامج سرى انقلابى خلف النشاط السياسى الجماهيرى للجبهة الاسلاميه ابان الديمقراطيه الثالثة تمسك به حلقة قيادية صغيرة بتفويض من جسم تنظيمى مستقل يعيش داخل الجبهة نفسها! نحن نرى ان انقلاب خاتم يونيو 89م كان تنفيذا لاستراتيجية وتعبيرا عن عقلية انقلابية ومشروع سياسى وليس ضرورة او رد فعل لاى حدث ( مبادرة المرغنى – قرنق ، مذكرة القيادة العامة للجيش ، برنامج وحكومة القصر, تجميد القوانين الجنائية المستمدة من الشريعة الاسلامية من داخل الجمعية التاسيسية ، استباق تحركات انقلابيه اخرى) وهاكم اعتراف دالترابى( وما زالت حركة الاسلام الصاحية المتجددة عقودا من السنين فى السودان داعية مجاهدة حتى استوت فتاكد لها فى السنوات السبعين ان الكفر لن يخليها بل سيصد عن حكم الشريعة بالقوة منه مباشرة او من اوليائه فينا و راينا ان حق لنا ان نتقى تلك القوة ونردها بالقوة تثور على السلطان الجاثم علينا انقلابا ونقاتلهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين حرا لله فانتصبنا على السودان بثورة الانقاذ هجمة مبهمة لمقدمها حتى استغلظ عودها صدعت بالحق جهارا ورفعت رايته حاكما ) - عبرة المسير ص 6 - اذا القناعة باستخدام القوة متبلورة منذ السبعينات تنتظر ظرفا مواتيا والمبرر هو التصدى لاستهداف الخارج الكافر ،ولكن السؤال لماذا صمت الكفر على الانقلاب فى حين تدخل بسرعة لاجهاض وصول جبهة الانقاذ الى السلطه عبر الانتخابات فى الجزائر يناير92م ؟ كانت القياده الاسلاميه ترى انها قادرة على تجنب المصائر التقليديه للانظمة العسكريه عبر تعديلات وسياسات تجعل الانقاذ مرحلة انتقاليه باتجاه حكم مدنى تعددى وفقا لخطة موضوعة تنزع السلطه بغير دماء فى عملية فنية وثورة هادئة بيضاء وسياسات لامركزيه واحداث تطور ديمقراطى من اعلى عبر انفراج اعلامى وبناء دستورى وانفتاح سياسى يفضى الى تعددية سياسيه. نحن نرى ان البرنامج اعلاه غير قابل للتطبيق لانه يتبنى وسائل مضاده لطبيعة الغايات التى سعى اليها لذا مضت الوسائل الى غاياتها الطبيعية غير مكترثة بالاوهام والنيات ، فلا يمكن انجاز تحول ديمقراطى ومشروع سياسى اسلامى عبر وسائط مثل الانقلاب العسكرى والتنظيم المهيمن غير الديمقراطى والوصاية على الشعب اى لايمكن ان نجنى الثمرة الطيبة من الشجرة الخبيثة لذا كان طبيعيا ان يسقط الضحايا فى السجون والشوارع والمنافى والصالح العام او الضرر الخاص ناهيك عن الصراع المسلح فى الاطراف ليتبدد وهم الثورة البيضاء الهادئة العاقلة ، اما المؤسسات الدستورية فهى فوقيه وزائفه وتجميليه ولعل د الترابى قد لمس ذلك وهو يلجأ الى المحكمة الدستورية شاكيا لا دستورية قرارات رمضان او الشكوى الى مسجل التنظيمات حول مخالفة قرارات صفر للنظام الاساسى لحزب الحاكم لتتبدد خرافة التطور الديمقراطى كما كان تعيين الولاة مؤشرا على مظهرية اللامركزية والحكم الاتحادى فى ظل نظام عسكرى قابض ، لذا كان طبيعيا ان تنتهى الانقاذ الى نظام عسكرى تقليدى بلا اقنعة او اوهام . يبقى معنا مقولة حاكمية التنظيم لتفادى حكم الفرد ومراكز القوى لاسيما فى الاجهزة الامنية والعسكرية وهذا يقودنا الى ماعرف بالازمة و المفاصلة فى اوساط الاسلاميين. انقلاب رمضان:من الشمولية الى السلطوية لا يمكن اخضاع سلطة تنفيذيه يراسها ضابط هو فى نفس الوقت قائد للجيش لحاكمية تنظيم سياسى مهما تكن شعبيته فى الشارع او نفوذه فى المؤسسات ،فقد تمكن جمال عبد الناصر من ضرب حركة الاخوان المسلمين بحجة انها تحاول فرض وصاية على الثورة 1954م ،كما استطاع عبد السلام عارف ان يضع حدا لسيطرة حزب البعث على الحكم فى العراق نوفمبر 1963 م فى وقت ظن فيه الحزب ان الامور قد استتبت له وبدأت صراعاته الداخليه ولجأ الى القيادة الحزبيه فى دمشق لتحسم خلافات رفاق بغداد ، اما فى السودان فقد عزل النميرى الشيوعيين من المشاركة فى الحكم 1970ليبدأ صراع عنيف حسم لصالحه فى اعقاب الانقلاب الاحمر 1971م وكل هذه الصراعات بدأت فور وصول الغريمين للسلطة ،اما الانقاذ فقد بدت وكانها حالة فريدة من الزواج الكاثوليكى بين الاسلاميين والعسكريين على اساس قوامة التنظيم !حيث بدا دالترابى كعراب للنظام ورجل اول فية حتى وهو لايتولى منصبا ظاهرا . وتفسيرهذه الظاهرة يرجع الى عدم نضج العوامل التاريخية لبروز الصراع فلكى يبرز لابد من :- 1 خلو الساحة من اى تهديد داخلى او خارجى . 2 2 لينجح العسكر لابد لهم من شق التنظيم والاستيلاء على جزء من قياداته وبرامجه وشعاراته . لذا لم يبدأ الصراع الا بعد القبضة الامنية القوية التى صفت التهديدات الداخلية بكلفة إنسانية وأخلاقية باهظة ثم النفرة الجهادية التى احبطت العدوان الخارجى 1997 ، وهكذا بدت الانقاذ فى عام 1998 م وكأنها فى القمة فقد انهت المهددات الداخليه والخارجيه ووضعت دستورا واستخرجت النفط وكسرت شوكة الجيش الشعبى ووقعت سلاما مع المنشقين عليه وجذبت اليها معارضين من الخارج عادوا الى البلاد . والقمة دوما هى نقطة الانحدار ففى ذات العام خرج د الترابى الى العلن منهيا الباطنية ليبرز معه النزاع بدء بمذكرة العشرة التى جاءت على حساب قيادتة للتنظيم ولكن سرعان ما رد الصفعة بالمؤتمر العام 99 م فاسترد التنظيم وعاقب العشرة باسقاطهم فى كل المواقع واحتفظ بالبرلمان وعدل عن قرار تركه ثم بادر بشن هجوم على صلاحيات الرئاسة عبر مشروع التعديلات الدستوريه لانتخاب الولاة واستحداث منصب رئيس الوزراء فعصف انقلاب رمضان بالدستور والبرلمان وبعد فاصل من المبادرات الداخلية شن الفريق البشير هجوما على اخر معاقل دالترابى اى الامانة العامة عبر قرارات صفرمايو 2000م ليهرع وسطاء الخارج الا ان الامور وصلت مرحلة اللاعودة فوقع الانقسام وتحول د الترابى الى المعارضة بينما تحولت الانقاذ من الشمولية الى السلطوية . اى من النظام الشمولى الذى يمتلك ايدولوجيا حركية حاكمة يسعى الى فرضها على المجتمع واعادة صياغته بها عبر دور مركزى للتنظيم الحركى الحاكم ، الى نظام يكتفى بالسلطة فى ظل القيم الاجتماعية السائدة والاعراف المرعية مع تهميش الايدولوجيا وتقزيم دور التنظيم الحامل لها . سنن الانقلابات ان ما حدث يعتبر من سنن الانقلابات العسكرية اذ لابد من الانقلاب داخل الانقلاب لحسم قضايا مثل القيادة او جداول العمل المختلفة او اعادة قسمة الاسلاب والغنائم، وقد سعى د الترابى الى انهاء الثنائية فى القيادة بسحب صلاحيات الرئاسة الى مواقعه كامين عام للتنظيم يتحكم فى ترشيح الولاة ثم كرئيس للوزراء كما كان مخططا للتعديلات الدستورية المقترحة قبيل انقلاب رمضان ، ولو تحقق ذلك لما بقى للبشير الا التشريفات ولكن هيهات . وعادة يعتبر المنتصرون انقلابهم حركة تصحيحية ويعتبرها المنهزمون ردة ونكوصا ، وهو بالضبط ما قيل عقب الانقسام . اللهم بلغنا فاشهد