زاوية حادة تخريج أم تهريج جعفر عباس حفاظا على صحتي النفسية والعضوية فإنني لا أشاهد أي فضائية تلفزيونية عربية رسمية.. أو غير رسمية، حتى لمتابعة الأخبار، لأنه ينبغي التعامل مع الأخبار التي تبثها الفضائيات الرسمية من زاوية «إذا جاءكم فاسق بنبأ...»، ولا أتهم قراء الأخبار بالفسق، رغم أن العرب تقول إن آفة الأخبار رواتها، ولكنني أوردت قسما من الآية الكريمة التي تحث تكملتها على تقصي الأنباء تفاديا للإصابة ب«الجهالة»، ومع هذا يشدني الحنين الى الوطن بين الحين والآخر فأقوم بإطلالة على الفضائيات السودانية وأتوقف طويلا خلال تلك الإطلالات عند قناة النيل الأزرق مع برنامج «مراجعات»، وبعض البرامج الترفيهية، وشاء حظي العاثر أن أطل على تلك القناة مرتين في شهر واحد خلال بث شيء في منتهى الركاكة والفجاجة والسخف.. ذلك الشيء لا يستحق مسمى برنامج او فقرة ترفيهية، لأنه بدعة في مجال العمل التلفزيوني.. ولا تثريب على أسرة القناة فنحن قوم نسوي البدع في كل مجال. أتحدث هنا عن حفلات تخريج عيال رياض الأطفال التي تبثها النيل الأزرق، وأربأ بقناة صادفت حظا طيبا جدا من النجاح ان تزج بنفسها في تلك المساخر: حفل تخريج لطفل لم يبدأ الدراسة النظامية بعد؟ يستعرضونهم أمام الكاميرا وهم يلبسون زعابيط على رؤوسهم فوق أرواب (جمع روب) تنم ألوانها و«تفصيلها» عن فساد مريع في الذوق، ثم يبدأ الحفل فيلقي خريج خطبة كل كلمة فيها مسروقة من خطب الشيخ يوسف القرضاوي،.. كلام كبير بمفردات يتطلب فهمها استخدام «القاموس المحيط»، يتلوه صاحبنا دون الاستعانة بورقة.. تخيل قسوة قلوب القائمين على مثل تلك الرياض الذين يرغمون طفلا في الرابعة أو الخامسة لحفظ كلام لا يفقه شيئا من فحواه.. ويتعاقب على المسرح ببغاء تلو ببغاء مرددين كلاما معلبا يتخلله اسم \"الروضة\".. وقد انتبهت لأمر عجيب آخر، وهو إطلاق أسماء جامعات بريطانية عريقة على رياض الأطفال والمدارس، ثم الزعم وبكل بجاحة بأن هذه الروضة أو تلك تحظى باعتراف هذه الجامعة او تلك!! هل التعليم الخاص عندنا \"ما عنده ولي\"؟ هل استطيع أن أطلق اسم هارفارد مثلاً على روضة وأزعم أنها تحظى باعتراف جامعة هارفاد ست الاسم؟ كيف تعترف جامعة بريطانية بروضة أطفال في السودان وهي لا تملك او تدير روضة حتى في المدينة التي تحتضنها. الكارثة في حفلات التخريج تلك عندما يأتي دور القائمين على أمرها في إلقاء كلماتهم، ولو كان للتعليم عندنا «وجيع» لجمعهم وجلدهم في ميدان عام بتهمة الإساءة الى لغة القرآن.. تأتي المربية \"صاحبة الفضل في شموخ هذا الصرح التعليمي العالمي\"، وتكسر أضلاع الفاعل، وتمارس الاستعلاء على حروف الجر فلا تعترف بقدراتها فتنصب كل مجرور.. هذه فضيحة.. عيب.. يفعلها الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كل يوم ولكنه معذور فهو يبهدل اللغة لأنه يرفض «التخريج»،.. استمع إليه وهو يردد كل يوم في مقطع تبثه قناة الجزيرة نحو عشرين مرة في اليوم الواحد عن \"تلبية مطالب المعتصمون\".. هذا حذق سياسي وليس خورا لغويا، فهو يعرف أن «المعتصمون» جمع مذكر سالم، وأن الكلمة في تلك العبارة مضاف إليه وينبغي أن تنتهي بالكسر بالياء والنون، وحاشا لسياسي مقرم ومخضرم أن يكسر \"المعتصمون\" علنا ليعطي الناتو مبررا للتدخل في بلاده، كما فعل القذافي الذي لم يسمع بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي. حفلات تخريج أطفال الروضة استغلال تجاري بشع لبراءة الطفولة وأولياء الأمور، وإذا كانت النيل الأزرق تتقاضى مبالغ مالية لقاء بثها ك\"إعلانات تحريرية\"، فهي شريك في الجريمة، وإن كانت تفعل ذلك بدون مقابل فهي تجرم في حقنا نحن جماهيرها المحبة. الرأي العام