زمان مثل هذا إعفاء وزير العدل الصادق الشريف ما حدث في البرلمان أمس الأول حول وزارة الزراعة ووزيرها المتعافي... مثّل تمريناً ديمقراطياً لا ينكره إلا مكابر. فإلى ما قبل مثول وزير الزراعة أمام البرلمان، كنتُ أعتقدُ انّ هناك جهةً (ما) سوف تتدخل من وراء الكواليس وتنقذ المتعافي من غضبة نواب المجلس الوطني... وبالتعليمات. ولكن يبدو أنّ ما ذهب إليه الأخ المهندس عثمان ميرغني رئيس تحرير (التيار) من أنّ المتعافي اصبح (كارتاً محروقاً) بالنسبة للحزب الحاكم ويمكن التضحية به في هذه الفترة... هو تحليلٌ اقرب لمجريات الأحداث. وإذا كان وصفُنا لما جرى في البرلمان صحيحاً بأنّه تمرين ديمقراطي... فإنّ اللاعب الذي سوف يرهق عضلات الحكومة والحزب الحاكم بالتمارين الديمقراطية العنيفة هو... وزير العدل. فمولانا دوسة حتى هذه اللحظة يدسُّ رأسه بين كتب القوانين ومسودات اللوائح ويرفعه الى أعلى ليرى إمكانية التطبيق على أرض الواقع. هذا الواقع الذي أقل ما يمكن وصفه به هو أنّه لم يغادر ميدان (التمكين) بعد... فما زال حقُّ قيصر يختلط بحقِّ الله... وحقُّ المواطن بحقِّ الحكومة... وحقُّ الدولة بحقِّ الحزب. مولانا دوسة يحاول تطبيق القوانين والتي وضعها المشرعون وفق مفهوم مثالي، لا يوجد له نظير في ارض الواقع، حتى تظلّ حبيسة الأدراج. وما يمنع القوانين من التطبيق على ارض الواقع هو هذا الإختلاط الكبير بين الحقوق أعلاهُ... فوزير العدل - مثلاً - أمهل الدستوريين شهراً لتعبئة وإكمال إقرارات الذمة المالية... ومنذ مجيئ الإنقاذ وهي تتحدث عن إقرارات الذمة المالية للدستوريين، عشرات السنوات ولم يصل منها الى نيابة الثراء الحرام إلا القليل... القليل جداً جداً... القليل الذي لا يكاد يُرى بالعين المجردة. ومولانا دوسة يسنُّ قراراً يمنع الدستوريين من الجمع بين المناصب العامة والتجارة و(رجالة) الأعمال... وهو قرارٌ يصعب تطبيقه من الناحية العملية... لأنّه قد يُفرغ السوق من معظم التجار الفاعلين والمؤثرين. وأقرب الأمثلة هو الوالي/الوزير المتعافي.. الذي ما فتئ يقول لوسائل الإعلام بكلِّ فخر (أنا رجل أعمال).. مع أنّها شبهةٌ كان من المتوقع أن يستحي منها لتزويجها عرفياً إلى المنصب العام. مع ذلك ظلّ المتعافي يتدرج في الوظائف العامة ويرتقي السلم درجاً بعد درج... والياً للنيل الأبيض... ووالياً على الخرطوم... ووزيراً للزراعة... ولولا أن (كنكش) البرلمان في رقبته لدخل القصر الجمهوري فاتحاً ب(أعماله). المعضلة هُنا هي أنّ وزير العدل يُركِّب ما كينة لا تقوى على السير وسط هذه الأراضي الطينية الوحلة الماطرة طوال العام. فهو يواجه وضعاً أصبح من المسلمات، وصار له رجالٌ أقوياء اشداء يحمون ظهر الذين (يرمون قدام) في مجال التجارة الدستورية. ويواجهُ آخرين جلسوا في الكراسي الوزارية وارسلوا إخوانهم الى الأسواق يجنون حصاد تلك الكراسي ويتقاسمونه في نهاية الأمر بينهم. وثلة أخرى أذكى من أن تفتح لها حسابات مصرفية... فتحوِّل كلّ ما تحصل عليه الى أراضٍ وعقارات لا تستطيع أعين الرقيب حصرها. وعلى هذا... أتوقع ان لا يعود وزير العدل الى منصبه هذا ولا يتمّ التجديد له في التشكيل الوزاري بعد 9 يوليو القادم.