اسأل مجرب...! رفيدة ياسين [email protected] حين يتسرب اليأس لنفوسنا ..وينفض سامر المقربين منا...تبدأ رحلة الموت أثناء الحياة..وعندما تضعنا الأقدار في أزمة مفاجأة ..ربما لا نستطيع أن نتماسك دون وجود من نحب ويحبوننا في فضاءاتنا..وهذا ما جرى مع السيدة إيمان محمد السيد ولكن ما كان أشد قساوة عليها هو وجودها في بلاد الغربة لا ونيس لها سوى أطفالها الثلاثة ببلجيكا...بدأ الألم يتسلل إليها ويزداد يوماً بعد يوم، فإذا بالطبيب الأجنبي يفاجئها بإصابتها بالمرض (الخبيث) سرطان في الثدي انتقل للكبد ثم إلى العظام وبدون أي مقدمات تخفف من وطأة الصدمة عليها... استطاع زوجها الحصول على فيزا للدخول إلى تلك البلاد البعيدة بالتقارير الطبية لزوجته نظراً لحالتها الصحية المتأخرة ، وفور وصوله أخبره الطبيب بأن زوجته لن تعيش أكثر من ستة شهور...راودت الرجل مخاوف كثيرة لمجرد فكرة فقدانه لزوجته..وماذا سيكون مصيره وصغاره من بعدها ..لكن إيمان نفسها (صبَّرته) بقولها (المرض ما بقتل زول، ومافي زول بموت قبّال يومه) ، وتحدت المرض وذكرت لي أنها تغلبت على أوجاعها فقط بالحب، لتصبح قصة مختلفة ..لامرأة فريدة من نوعها عنوانها التحدي والأمل ..روشتة إيمان للتغلب على آلامها كانت حبها لابنائها وزوجها ، وكلما عادت لمنزلها بعد أخذها لجرعة من (الكيماوي) يتملكها الإحباط، لكن بمجرد نظرها لأسرتها من حولها كانت تقاوم وتتمسك بالحياة من جديد، هذا هو السر الذي تعيش به (إيمان) ، وتلك كانت طريقتها في مقاومة الموت الذي تنبأ لها الطبيب بقدومه بعد شهور من معرفتها بالإصابة بالمرض اللعين..جمعتني ظروف العمل بلقاء هذه السيدة المتفردة وبقية أفراد أسرتها ..عندما أجريت معها لقاءً تليفزيونياً بقناة النيل الأزرق، وجدتها قوية عنيدة لبقة تلقائية وبسمتها لم تفارق شفتيها، ورغم ظروف مرضها إلا أنها ما زالت محتفظة بألقها وجمالها كأنثى وفوق كل ذلك بدت لي أم حنونة وزوجة معطاءة ، تحدثت عن معاناتها بصبر وإيمان كبيرين، كانت السيدة في إجازة قصيرة للسودان تعود من بعدها لمقر إقامتها ببلجيكا..روت لي أنها تسكن هناك في منطقة لا يوجد بها أي سوداني أو حتى من أي جنسية عربية وإفريقية، فبدأت تتعرف على جيرانها بعاداتنا السودانية وهي تدق أبوابهم لتقدم لهم (صحن مديدة أو عصيدة ) وغيرها من الأطباق السودانية، روت لي أنهم أرادوا إعطاءها نقوداً في المقابل واندهشوا عندما شرحت لهم أن تلك تقاليد بلادها ..حتى باتوا يطلبون منها إعدادها لهم لاحقاً ..وبدأت تعرفهم بالثقافة السودانية وألبست نساءهم التوب ..وقالت لي ضاحكة : \"سودنتا البلجيكيين في حيَّنا\" ، غريبة تلك المرأة نموذج يحتذى به في الصبر والأمل فهي قادرة بعد كل معاناتها أن تكون سفيرة لبلادها في الخارج...عبر ودروس في الحياة نتعلمها ممن عايشوها قبل (المنظرين المنتشرين هنا وهناك) فهم ذوي الخبرة الحقيقيين ، وعلى رأي المثل \"اسأل مجرب ولا تسألش طبيب\"..!