[email protected] يشير تعبير النهب المسلح إلي ظاهرة الهمبتة الحديثة, التي إنتشرت في غرب البلاد في السنين الأخيرة, إذ تعود بعض قطاع الطرق, علي ترصد القوافل التجارية و نهبها تحت تهديد السلاح. تشير هذه الظاهرة إلي إنفراط عقد الأمن. هذه ظاهرة خطيرة, ينبغي وضع الحلول لهل, حتي لا تتفاقم و تهدد السلام الإجتماعي. و هناك ظاهرة أخري أشد خطورة نشأت في العالم العربي, في السنين الأخيرة, و هي ظاهرة الفساد السياسي, أو ما يسمونه ( النهب المصلح ) علي وزن النهب المسلح المشار إليه. و يقصد بهذا التعبير, إستغلال جهاز الدولة من قبل المتنفذين في الإثراء, عن طريق إستغلال النفوذ , و بذا يمكنوا لأنفسهم من سرقة المواطن دافع الضريبة. يدفع هذا المواطن الضريبة, مقابل أن يحصل علي خدمات بحكم المواطنة, لكن يجد أن مجهوده ذهب إلي جيوب فئة معينة إستمرأت سرقة جهود الآخرين. يقول إختصاصيو التنمية , أن مشكلة التمويل, هي العقبة الكئود في طريق تحقيق التنمية في الدول النامية. لكن أين تذهب الأموال التي تأتي من هنا و من هناك , حتي أثقل كاهل هذه الشعوب بالديون المتراكمة و فوائدها. و حتي صارت هذه الشعوب تعيش علي ما تحصل عليه من عون من منظمات الإغاثة, مما يقيم الأود, و كأن هذه المنظمات تتصدق عليهم. لكن حتي هذه المنظمات أصيبت بالإعياء Charity fatigue , بسبب الفساد و الهدر الذي يحدث لما يقدم من عون, إذ يدعي المانحون أن الأموال المخصصة للكوارث Disaster appeal funds لا تصل إلي مستحقيها في بعض الأحيان.كيف يحترم الآخرين, شعوب هذا حالها؟! إن ظاهرة الفساد السياسي أو النهب المصلح, تعد واحداً من أمراض البيروقراطية, إذ يصاب الجهاز الإداري للدولة بالترهل و يصبح فاسداً, لا يعمل بدافع ذاتي, من وحي المسئولية الملقاة علي عاتق الموظف العام, بل يصبح في حاجة إلي التشحيم Greasing في شكل رشاوي. بذا ينتشر الفساد و يصبح مرض إجتماعي, يهدد جهود التنمية. تقول الهيئات المختصة بالتنمية و الشفافية, أن مشكلة التنمية في الدول النامية لم تعد تتمثل في التكوين الرأسمالي و حسب, بل برزت ظاهرة الفساد, و هذا ما أعاق جهود التنمية هنا و هناك. إن الأموال التي نهبت في خلال السنين التي تلت خروج المستعمر الأجنبي و تسلم أبناء البلد مقاليد الأمور, هي أموال طائلة يصعب حصرها. تم تهريب غالب هذه الأموال إلي الغرب و إلي أماكن أخري و أودعت في حسابات سرية, في البنوك السويسرية و في غيرها. و من المؤسف, أن غالب هذه الأموال تضيع و لا يستفيد منها أصحابها الذين أودعوها في حسابات سرية, لا يعلمها غيرهم , حتي يفاجئهم الموت , بل تذهب إلي جهات أخري, تضع يدها عليها. و كأن مقولة ( يذهب الحرام حيث أتي ) تتحقق في هذه الحالة. لقد غابت الرقابة و حكم القانون, إذ عمل المتنفذون في الدولة علي تسييس وظيفة القضاء و جعل الجهاز القضائي أداة طيعة في خدمة هؤلاء المتنفذين. و من ثم نشأت ظواهر جديدة, منها ظاهرة ( الموظف العام التاجر) و هذا ضد طبيعة الأشياء. أصبح هذا الموظف العام يستغل سلطته في المضاربة في السوق, فانتقل السوق إلي وضع الإحتكار, إذ يحتكر هؤلاء المتنفذون المتاجرة في السلع و يتحكمون في أسعارها و منها تجارة الأسلحة, بهدف الإثراء و تحقيق الأرباح الطائلة. لم يكتفي المتنفذون في الدولة بما ينهبونه من مال في تجارة الصادر و الوارد, بل إدعوا أن لهم حقاً في ما يرد من مال من الخارج, يتمثل في : 1/ عمولة مقابل إنشاء المشروعات التي تقوم في إطار برنامج الإستثمار الأجنبي, بحيث يتم وضع قانون الإستثمار الأجنبي, لتحقيق مصلحة هذه الفئة من المتنفذين. 2/ عمولة مقابل دخول البضائع إلي البلد, و بالذات السلع المعيبة أو غير مطابقة للمواصفات, بحيث تدخل هذه السلع إلي البلد بعد دفع المقابل. 3/ نصيبهم الذي يدعونه في ريع الموارد الطبيعية, مثل النفط و الغاز و المعادن النفيسة. 4/ مقابل المصادقة علي بعض القرارات المصيرية التي تتعلق بمصلحة البلد و التي تملي عليهم. و المتنفذون, هم من يعطلون مصلحة البلد في سبيل إرضاء نزواتهم الشخصية و ملء جيوبهم من المال, و بذا يعملون علي نشر الفساد في البلد, عن طريق إرغام أصحاب المشروعات علي دفع المقابل, حتي تجد مشروعاتهم موطئ قدم في البلد و إلا سيكون مصيرها التدمير. في نهاية الخمسينات الماضية , أنشأ شاب فلسطيني من القدس, يدعي سعيد بيدس, أنشأ بنك ( إنترا ) الشهير في بيروت , إضافة إلي شركة طيران الشرق الأوسط. نجح هذا البنك نجاحاً منقطع النظير في سنين قليلة و أصبح أكبر بنك في لبنان. لم يجد بعض المتنفذين سبيلاً إلي أخذ نصيبهم ( الكٌدة ) من هذا المشروع الناجح, فكان أن تآمروا مع اليهود علي هذا البنك وورطوه في قروض مع البنك الدولي. أصيب البنك بالإعسار و فجأة تدافع المودعون لسحب أموالهم, فكان أن إنهار هذا البنك في عام 1967م , و هي أغرب عملية إنهيار مالي في التاريخ الحديث. و في سبيل تحقيق المصلحة الخاصة, يلجأ هؤلاء المتنفذين إلي سلاح الإستبداد و تكميم الأفواه و بالتالي تصبح البيئة صالحة لنشوء الفساد, ذلك أن الإستبداد و الفساد صنوان,فأينما وجد الإستبداد, وجد معه الفساد. و ما أمر التدافع الذي يحدث في بعض الدول العربية, حيث ثارت هذه الشعوب علي حكامها الفاسدين, ماهو إلا تدافع يحدث من أجل حماية مصالح هذه الطغمة الفاسدة. لقد ثارت هذه الشعوب علي هذا الوضع الفاسد, مطالبة بالتغيير, لكي تنعم بالحرية و الكرامة بعد سني الكبت و الإستبداد. قطعاً ستحقق ما تصبو إليه. لكن ستجد أمامها خراباً. لكن يبقي الأمل في الإصلاح. و تبقي ثقة الشعوب في نفسها و في الغد الأفضل. هذا ما سيصد دعاوي الثورة المضادة و التي تحاول إعادة عقارب الساعة إلي الوراء. لكن هيهات. الرياض / السعودية