ما يطلبه المستمعون..!!! صلاح الدين عووضة مرشح الجمعية التشريعية بإحدى مناطقنا النوبية (أغدق) على الناس هناك ما ينوء بحمل مفاتيح (سيناته) العصبة أولو القوة.. و(السينات) هذه المقصود بها الأفعال المستقبلية التي تبدأ بحرف السين مثل (سأفعل) و(سأعمل) و(سأسوِّي) إضافة إلى (سوف).. وبعد أن فاز المرشح ذاك في الانتخابات البرلمانية أتى إلى منطقتنا بعد عام زائراً بمناسبة العيد.. وحُشِر له الناس ضحى يوم الزينة.. وبعد أن أنهى النائب البرلماني حديثاً طويلاً (سحر) به مسامع الناس مع خلوِّه من (السينات) أتاح فرصة التعقيب والتعليق والمداخلات للحضور.. فوقف شيخ نصرون المشهور بسخريته اللاذعة ليلقي بكلمة (سعت) بين الحاضرين (تلقف) كل كلمات ممثل الدائرة الجغرافية تلك.. فقد قال بلسان أرهقه الاستعراب: (والله يا شيهنا كلامك هلو، لكن الأهلى من كده تأيد لينا كلامك الأول داك قبال ما تفوز).. ثم أردف وهو يمسح لحيته الرقيقة بأنامله في خبث: (أهو هاجة كده زي ما يتلبه المستمعون).. فاعتذر النائب البرلماني عن مواصلة اللقاء (الجماهيري) متعللاً بالسفر إلى دنقلا.. وأيام الإنقاذ هذه لا يكاد يخلو واحد منها حتى ولو كان يوم جمعة من (سينات) تزدحم بها الصحف والإذاعات والتلفزيونات واللقاءات الجماهيرية.. هي كذلك أيام الإنقاذ من لدن الأول من يوليو (89م) وإلى يومنا هذا.. فالولاة مثلاً يترقبون بزوغ فجر يوم جديد من أيام الإنقاذ بفارغ الصبر حتى (يستعرضون) ب (سينات) لهم جديدة تبشر بأمنيات لا تحلم بمثلها، حال تحققُها، شعوب دول إسكندنافيا نفسها.. وكذلك الوزراء والوكلاء والمديرون والتنفيذيون كافة في مواقع (التمكين) الإنقاذية.. بل حتى جماعة (حسن الخاتمة) المعنية بأمور الناس بعد الموت أبت إلا أن تُدلي بدلوها من (السينات) بعد أن أيقظتها من سبات كسبات الموتى إتهامات بتبديد للأموال.. والسودانيون إذ يواجهون يومياً بسيل من (السينات) هذه يرددون في سرهم المثل الشعبي القائل: (السوَّاي ما حدَّاث).. وفي الدول المتحضرة التي (تحترم) فيها الحكومات شعوبها لا مكان لحرف (السين) بين متنفذيها لإنشغال المحل بحركة (الفعل).. هل رأيتم في تلفزيونات أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو حتى إسرائيل وزيراً يفرض نفسه على المشاهدين يبشرهم بأنه (سوف) يفعل و(سوف) يعمل؟!.. فالعبرة في الدول هذه بالإنجاز على أرض الواقع دونما ضجيج إعلامي تتصادم فيه (السينات) تصادم الذرات.. ولأن (السينات) هذه كلما كثرت كثر معها إحتمال مفارقة القول للفعل فإن قادة الإنقاذ لا يحبون تذكيرهم بوعود قطعوها على أنفسهم.. لا يحبون حكاية (ما يطلبه المستمعون) التي أشار إليها شيخ نصرون في حضرة النائب البرلماني.. فكم من (سين) إنقاذية أثبتت الأيام أنها كانت محض (حلم ليلة صيف) تبدد مع انبلاج فجر الحقائق على أرض الواقع.. ونحن لا نعني هنا أحلاماً من قبيل (سنسود العالم أجمع) أو (أمريكا روسيا قد دنا عذابها) أو (سوف نصلي في البيت الأبيض) أو (متطلعون إلى أن نحكم العالم).. فهذه مجرد (خطرفات) لا ترقى إلى مستوى الأحلام.. ما نعنيه نحن هو الأحلام تلك من شاكلة (سنحافظ على الوطن موحداً) و(لن نفرط في السيادة الوطنية) و(لا يمكن أن نسمح لجندي أجنبي بأن يجوس خلال ديارنا) و(الشعب السوداني موعود بالرفاهية بفضل سياساتنا الإقتصادية).. والآن إذ توشك الإنقاذ على الإحتفال بعيدها الثالث والعشرين وبلادنا منتقصة من أطرافها، وسيادتنا الوطنية منتهكة، و(الجيوش الأجنبية) تزاحمنا في ديارنا وشوارعنا ومطاراتنا، وشعبنا يعاني ضنك العيش.. إذ توشك الإنقاذ على أن تفعل ذلك الآن فإن شخصاً مثل شيخ نصرون نحتاج إليه حين يُحشر الناس ضحى يوم الزينة.. وكلمة واحدة منه تكفي عند ذاك لكي (تلقف) كل الذي سعت الإنقاذ إلى أن (تسحر) به أعين الناس، وأسماعهم وأفئدتهم، طوال (22) عاماً.. كلمة فحواها: (والله يا شيوهنا كلامكم هلو، لكن الأهلى من كده تأيدولنا كلامكم الأول داك).. ثم تُضاف إليها عبارة: (أهو هاجة كده زي ما يتلبه المستمعون).. ولا ينسى هذا القائل أن يمسح لحيته أو (حنكه) بأنامله.. أجراس الحرية