الغثاء..!!! صلاح عووضة المجلس الوطني المسمى مجازاً (البرلمان) أرغى نفر من نوابه وأزبدوا بسبب ما قالوا إنها إنتقائية من التلفزيون القومي في التعاطي مع مداولاتهم بحيث لا يُبثُّ منها إلا ما كان من شاكلة (كلو تمام يا فندم).. وضربوا مثلاً لذلك بمداولات قرار زيادة الاسعار قائلين إن احتجاجات عنيفة قد حدثت خلالها (طنَّشها) جميعها تلفزيون السودان.. ورغم تأميننا على صحة هذا الذي ذهب إليه النواب الغاضبون هؤلاء إلا أننا نقول لهم إن هنالك غضباً مماثلاً من جانبنا تجاههم.. فأنتم يا نواب مجلس (الوطني!!) تقولون كلاماً يعبِّر عما يجيش في نفوس الناس أثناء المداولات.. ولكن عند لحظة التصويت فأنتم لا تعبرون إلا عما يعتمل في دواخل أصحاب القرار فتجيزون (من سكات) ما كنتم تحتجون عليه ب(صخب) أليس هذا صحيحاً أم (أنا غلطان)؟!.. فإن كنا على خطأ فدلونا على (حالة) واحدة تطابقت فيها (أقوالكم) مع (أفعالكم) إنحيازاً لقضايا الشعب ولو كره المتنفِّذون.. فالتلفزيون إذاً لم يتجنَّ عليكم كثيراً أيها النواب بما أن مديره محمد حاتم يعلم أنكم ستجيئون (في الخط) في نهاية المطاف.. ولكن سياسة محمد حاتم الإنتقائية هذه من جانب آخر هي التي أدت إلى عزوف الكثيرين عن (تلفزيونه) من غير متحزبي المؤتمر الوطني.. فإبَّان تقلُّد حسن فضل المولى لمنصب مدير البرامج كان يجتهد في جعل التلفزيون (وطنياً) قدر المستطاع وليس بوقاً لل(وطني) وحسب.. فبفضل تعامله الإنفتاحي هذا نجح حسن في استنطاق كثير من المعارضين (تلفزيونياً) عبر لقاءات أو حوارات أو استطلاعات.. وكاتب هذه السطور كان له من هذا الانفتاح نصيب حيث قدم برنامجاً كاملاً- مرة - فضلاً عن مشاركات عديدة أخرى.. ولكن حين جاء زمان محمد حاتم فإن المشاركة الوحيدة التي أُستدرج إليها صاحب هذه الزاوية خضعت لمقص رقيب لم يبق منها سوى (قصاصة) لا مكان لها سوى كيس (الدلاقين) الخاص بالخياطين.. وللسبب هذا اعتذرت قبل أيام لمن لا يُردُّ له طلب حين عرض عليِّ المشاركة في برنامج توثيقي عن ابداعات فن الغناء لدى المطرب الكبير عبد الكريم الكابلي.. فقد قلت للمذيع السامق عمر الجزلي أنني أخشى أن تعبث (أجهزة) محمد حاتم (الرقابية) بمداخلتي فتغدو من ثم مثل مداخلة ظريف بلدتنا باشاب في جلسة ضمت نفراً من أعيان المنطقة ووجهائها.. فقد كان النقاش (مستعراً) في الجلسة تلك حول توزيع قطع سكنية في الأراضي الغربية حين صاح باشاب فجأة وهو ينحِّي جانباً مجلة قديمة كان يتصفحها: (إنتو يا جماعة...).. فانتبه إليه (الجماعة) وقد حسبوه يريد أن يدلي برأي في القضية مثار النقاش متحلياً بقدر من الجدية على غير عادته يناسب الحدث.. وما أن إطمأن باشاب إلى أنه قد جذب نحوه إنتباه الحاضرين جميعاً حتى واصل حديثه بالنبرة العالية نفسها: (الملك فاروق ده، كان بياكل قراصة بسمن وسكر بسّ والَّلا إيه؟!!).. قلت ذلك للصديق العزيز عمر وأنا أشير إلى شرف الإسهام في برنامج ضيفه مبدع في قامة الكابلي الذي يُعدُّ أحد أعمدة فن الطرب (الأصيل) لحقبة ما بعد الحقيبة.. وقد يسأل سائل هنا عن نوع (السنسرة) التي يمكن أن تُجرى على مداخلتنا مادامت (فنية) بحتة ولا علاقة لها بالسياسة.. وردي على مثل هذا السؤال المتوقع هو: (ومن قال إن الموضوع غير ذي صلة بالسياسة؟!).. فالتدهور (القِيَمي!!) الذي تشهده مناحي الحياة كافة في بلادنا ينسحب على مجال الغناء أيضاً.. فكأنما هنالك سياسة مرسومة على هذا الصعيد تهدف إلى إشباع وجدانيات الشعب السوداني بمبتزلٍ من الغناء يناسب فلسفة (إعادة الصياغة) حتى لا يغدو هو ذاك الشعب (المعلم!!) الذي ينشد (الرقيّ) في المجالات كافة.. فالغناء مثلاً أضحى محض إثارة للغرائز.. والتمثيل بات أشبه بأفلام والت ديزني للأطفال.. والصحافة صار أكثرها رواجاً صحافة ال(جيمات الثلاثة!!).. وشرط نجاح مذيعات الشاشة الفضية حسب اعتراف احداهن ب(عضمة لسانها) وهي كوثر بيومي غدا هو (البياض!!).. ذلك كله لو قلناه خلال المقابلة المشار إليها لما وجد طريقة إلى البث في تلفزيون محمد حاتم.. وحفظ الله أستاذنا الكابلي الذي مازال (يفرض !!) إبداعه في زمن الغثاء.. - وكذلك الجزلي . اجراس الحرية