[email protected] مما لا شك فيه أن كل منا قد اطلع على الأدب الجاهلي راضياً بذلك أو متعاطفاً أو قل متأثراً بشخصياته من أمثال النابغة الذبياني و عمرو بن كلثوم و زهير بن أبي سلمى و المهلهل بن ربيعة و أوس بن حجر, أو يكون قد اطلع عليه رغماً عن انفه حافظاً للنصوص إلى أن يقوم بتفريغها في ورقة الامتحان نهاية العام, وذلك من اجل أن يكتب له النجاح في مادة اللغة العربية , هذا الأدب هو نفس ما درسه ساستنا من أصحاب المشروعات الحضارية و أصحاب التوسع الرأسي وأعراب القرن الواحد والعشرين من أمثال الطيب مصطفى الذي ذهب فيه ( على عدله ) ولم يعد بعد. فحرب البسوس الشهيرة بين قبيلتي بكر وتغلب التي اشتهرت بشعر الرثاء والحماسة كانت من اغرب القصص التي مررت بها في حياتي وكذلك الكثيرين من أبناء جيلي وممن سبقوني في قاعات وزارة التربية والتعليم رحمها الله . فهذه القصة التي كان من ابرز أبطالها الشاعر المهلهل بن ربيعة وابن أخته امرؤ القيس وكليب بن ربيعة و البسُوس بنت منقذ التميمية , أدارتها شخوص أكاد اجزم بأنني أراها يومياً في حياتنا السياسية و في الحياة اليومية للمواطن السوداني الذي غلبت على أمره فرقعات الساسة وطلاقاتهم وأحلامهم . حرب البسوس التي كانت بطلتها ناقة تسمى سراب , وقد تمتعت سراب بعنق طويل مثل عنق (الفاشيست) اسحق احمد فضل الله , ولكن الفرق بين هذا وتلك أن تلك قامت من اجلها حربٌ ضروس, أما الثاني فاشك أن هناك من سيبكي على فراقه يومٌ ما .فعندما دارت الحرب أربعون عاماً في الصحراء العربية بعد أن أشعلها المهلهل بن ربيعة تماماً مثل حربنا التي دارت رحاها على أرضنا الخضراء باختلاف التوقيت والمناخ ومات فيها أجيال من شباب كانوا في مقتبل العمر من أبناء الفراعنة السود أصحاب الحضارات العظيمة . حكي أن للمهلهل بن ربيعة (عبدٌ ) يدعى جوهر حيث قال فيه : شربنا الخمر في كأسات جوهر............ فزال العقل وأصبحنا سكارى كان جوهر يعمل قارعاً لطبول الحرب التي كان صوتها مثل صوت قنابل طائرات صافات و الانتينوف الروسية التي ما زالت تعاند الضمير الإنساني و تلقي بقنابلها على ارض جنوب كردفان وجبالها الآمنة . كان جوهر يقرع الطبول ليخيف بصوتها فرسان قبيلة بكر ( ساحات الفداء) ويشعرهم بأن هناك معركة قادمة ,أي معركة ينوي سيده المهلهل بن ربيعة خوضها ضد أبناء عمومته من قبيلة بكر قصاصاً لأخيه كليب بن ربيعة الذي قتله جساس بن مره. نبئت أن النار بعدك أوقدت.......واستب بعدك يا كليب المجلس كما كان جوهر دائماً ما يطلب ويستجدي امرؤ القيس في جلسات السمر أن يصطحبه معه إلى الهند , أي إلى تلك البلاد التي كان يقصدها بتجارته ويموّل بأرباحها حرب خاله المهلهل بن ربيعة. فعندما شاخ جوهر وملّ قرع الطبول أذن له امرؤ القيس أن يصطحبه معه إلى الهند مثلما اصطحب البشير خاله إلى نيفاشا . لم يوافق جوهر على الذهاب إلى الهند مثلما فعل الطيب مصطفى ولكنه رفض ذلك ( الاغتراب ) و اثر البقاء إلى جانب المهلهل بن ربيعة ليواصل حربه , ولكن لم تكن لديه قناة فضائية تعرض فيها أغاني ورقصات تراثية لقبيلة بكر التي كان يحاربها . وعندما سأله امرؤ القيس عن سبب رفضه الذهاب إلى الهند , أفاد جوهر بأنه لا يريد أن تتحقق أحلامه ,لأنها إذا تحققت, فلن يبقى له غير أن يترقب الموت , وقال إنني أريد حلماً أعيش عليه ما تبقى من عمري , فكما لا ينوي المهلهل بن ربيعة وقف الحرب مع أبناء عمومته ولا ينوي أن يقتص من قاتل أخيه كليب بن ربيعة على اثر قتل الثاني ناقة البسوس التميمية متسبباً بذلك في الحرب الطويلة بين القبيلتين وذلك لأنه أي المهلهل بن ربيعة يريد العيش والبقاء على قيد الحياة ولكنه في نفس الوقت كان ينوي القضاء على قبيلة بني بكر عن بكرة أبيها . ولست بخالع درعي وسيفي ....إلى أن يخلع الليل النهار وإلا أن تبيد سراة بكرٍ ...........فلا يبقى لها أبدا أثار ولكن أحلام المهلهل بن ربيعة لم تتحقق عندما دارت الدائرة على قبيلته, وقتل في إحدى المعارك ليحكي العرب قصة هزيمته في كافة مجالس الصحراء, كما لم تكن لديه نيفاشا أو أبوجا أو حتى ناطقٌ رسمي ينفي الهزيمة أو يحصي قتلى المتمردين من قبيلة بكر وعدد المدافع أو الدبابات التي اغتنموها . وكذلك الحال مع جوهر الذي قتل في احدي المعارك. أما المهلهل بن ربيعة السوداني ( حفيد جوهر ) الذي ما زال على قيد الحياة, فما زالت زفراته الحري تغلي في جعبته رغم انفصال الجنوب الحبيب, وما زالت لديه الكثير والكثير من الشتائم والإساءات التي لم تخرج من جوفه الثائر بعد , أفلا ترون سادتي أن الرجل ما زال يقرع الطبول وبرفقته ناقة البسوس المشوهة ؟؟؟ فهل تتحقق أحلام هذا الإعرابي الزائف وناقته قبل أن يموتا أو أن تسقط طائرة على متنها احدهما أو حتى نفاذ الزيت بفرامل السيارة الكورية التي تم تجميعها في السودان؟؟ . فكلنا يعلم أن الأحلام لا تتحقق كما نريد , وأمثال هؤلاء ليست لأحلامهم حدود ,حتى لو انتهت حدود السودان شمالاً بشارع النيل وجنوباً بداخلية حسيب التي جعلها الأعراب خيمة لأحزان الأطباء والصيادلة ( أو ترق منا الدماء أو ترق منهم دماء..... أو ترق كل الدماء ) .فالشيء الأهم (أن يتم إثبات عروبة هذا الإعرابي الذي ضاع منذ زمن بعيد في أدغال إفريقيا السوداء التي زعم بأنها قد شوهت فيه الملامح العربية وكذلك ناقته العجوز ) .سادتي هؤلاء يريدون فقط البقاء على قيد الحياة بأحلام لا يريدونها أن تتحقق . عاش نضال أبناء جنوب كردفان من اجل البقاء .