العصب السابع الجمرة الخبيثة.. ترشيد المعدوم!! شمائل النور المياه التي تجري الآن بين مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم ووالي الخرطوم، تنبئ بإيجاد حلّ قاطع يحسم الجدل بين إمكانية تنفيذ عدادات الدفع المقدم المسماة شعبياً \"الجمرة الخبيثة\" أو إيقاف التنفيذ إلى حين أو إلغاء الفكرة وهذه الأخيرة بعيدة عن تفكير هؤلاء.. والحقيقة بالفعل أوقف والي الخرطوم التنفيذ بعد إعلان الهيئة لبدء التنفيذ وعملياً أُلغي قرار الهيئة أو هكذا نتصور، لكن ذات الهيئة عادت بعداداتها وليس \"ببلوفاتها\" لتعلن التنفيذ من جديد في تحدٍّ لوالي الخرطوم، ولا نقول: قرار والي الخرطوم لأن الوالي قال وقف التركيب لإخضاع الأمر إلى مزيد من الدراسة، ومن يعلم لعلّ دراسة الوالي خلصت، وانتفت بالتالي أسباب التوقيف، ولعل الهيئة قصدت أن تضرب بهذا القرار \"المشروط بالدراسة\" عرض الحائط، وعلى أي حال لسنا في وضع قراءة البقاء للأقوى بين الهيئة والوالي وليس من أقوى إلا حاجة المواطن للمياه، إلا أنه لكلٍ حيثياته التي يبني عليها قراره، وما يلي المواطن هو توفير المياه، وحتى \"بسجمها ورمادها\" وتلوثها الذي أقرت به هيئة المياه ذاتها، وحتى إن لم تقر، فتلوث المياه يُرى بالعين المجردة، وأصبح الماء له لون وطعم ورائحة، وتبددت خواصه الفيزيائية، والهيئة تتفرج مكتوفة الأيدي كالضحية.. هذا من جانب التلوث، فإن كانت الهيئة تتخذه ذريعة لعداداتها فكيف تزيل الجمرة الخبيثة تلوث المياه..؟؟ ومن جانب شح الإمداد أو انعدام الإمداد، العديد من المناطق في قلب العاصمة الحضارية يشتري مواطنوها المياه من عربات الكارو في لوحة باهية البؤس، والمناطق والأحياء التي تحصل على نعمة المياه من حنفياتها، فالإمداد في الغالب الأعم يأتي ليلاً، والأحياء السكنية التي ينعم ساكنوها بإمداد على طول اليوم، هي أحياء معدودة في أصابع اليد، ولا ندري إن كانت هيئة المياه تعلم هذا الوضع أم لا..؟ والشح في الإمداد المائي المسمى حضارياً بسوء توزيع الحصص بين الأحياء لا يحتاج إلى دليل قاطع ولا يختلف حوله اثنان، والمتفق عليه هو أن البلد الذي يحتضن النيل أهله عطشى.. فليس من المنطق ونحن نعيش هذه الحالة من التصحر والتقشف أن تقفز لنا هيئة مياه ولاية الخرطوم لتنفذ \"جمرتها الخبيثة\" في حملة خبيثة ضد الحقوق الأساسية للمواطنين الذين يشكون الآن انعدام المياه المراد ترشيدها، فبدلاً أن تنغمس الهيئة الموقرة في إيجاد حلول لأزمة مياه العاصمة الحضارية، انصرفت كلياً إلى العمل الاستثماري في انتهاك واضح للحقوق الأساسية المنعدمة أصلاً، فكيف تريد الهيئة أن تُرشد ما هو غير متاح أصلاً، ثم ماذا هناك لنرشده.؟ توفير المياه بعيداً عن وصفها أن تكون صحية أو تصلح للاستخدام الإنساني، هو حق أساسي لا جدال فيه، فلتقم الهيئة أبقاها الله بتوفير المياه لكل المواطنين وبمواصفات تصلح لأن تُسمى إنسانية ثم بعد ذلك يُمكن أن يكون معها حق، حينما تطلب من المواطنين ترشيد هذه النعمة،، لكن أن يُرشد ما هو معدوم، فهناك احتمالان، إما أن نكون نحن سحرة، أو تكون الهيئة مسحورة فتتصور الأشياء ليست هي الأشياء. التيار