[email protected] (1) (أكدت مصادر حكومية رفيعة المستوى ل«المصري اليوم»، أن الرئيس السوداني عمر البشير رحب بتوطين 10 ملايين مواطن مصري، في إطار ما يسمى باتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين البلدين) هذا جزء من خبر أوردته كما هو موضح صحيفة (المصري اليوم) ويبدو أن عقلية المصري اليوم أقصد هنا (الإنسان) وليس الصحيفة ورغم ما أشيع عن حدوث نقلة في الوعي بعد الثورة إلا أني أراه ما زال أسير عقلية المصري الأمس فيما يخص قضايا السودان وشعبه الذي يعتبره (أولاد بمبا) الحديقة الخلفية لهم وما وجد إلا ليكون تابعا مسخرا لخدمة مصالحهم دون مصالحه الوطنية ويبدو أن التاريخ المشترك للشعبين منذ حملة الألباني (محمد علي باشا) الذي أسس الحكم الاستعماري التركي في مصر قد أسهم في تعميق هذا الشعور النرجسي في الأعماق المصرية تجاه السودان وأهله كما كان لعبط وتساهل قادة السودان القدح المعلَّى في تأصيل وتأكيد هذا الشعور وسيادة هذه العقلية الانتهازية المسيطرة على قادة مصر وشعبها. كيف لا وقد أمدهم السودان قديما بالرجال ليعملوا في الجيش والأيدي العاملة لتعمل في وظائف دنيا يعتبرها المصري وضيعة لا تليق به مثل (بواب وسفرجي) حتى صارت صورة نمطية في ذهن كل مصري عن السودانيين عمَّقها بقصدٍ الإعلام المصري ولا يزال يمارس هذا التشويه فيصور السوداني إنسان ساذج ذو بشرة داكنة لا يتقن العربية ولا يصلح للوظائف القيادية فهو إما (بواب أو سفرجي) وإذا ما تفوَّق (فممرض) وليس طبيبا ودائما في مرتبة دون المصري، والمفارقة أن هذه الصورة المروَّج لها إعلاميا غالبا ما تدخل المصري في حرج كبير حينما يحاول أن يتعامل وفقا لها فيصاب بالارتباك والحيرة حين يكتشف أن السوداني أكثر منه تأهيلا وتقديرا واحتراما وتتملكه الدهشة وهو يرى بأم عينه الفرق الواضح بينه وبين ذاك البواب أو السفرجي المزعوم من حيث الوعي والثقافة والقيم الإنسانية الفاضلة ولا شك أن العاملين بدول الخليج قد لمسوا هذا الأمر وعايشوه. نعم كان لبساطة وسذاجة كثير من حكامنا وقسم كبير من شعبنا دور في إعطاء المصداقية للصورة السالبة السالفة الذكر فرسخت في وجدان شعب مصر، وكمثال لسذاجة العقلية السودانية وضعف تقيمها للمصالح الوطنية العليا الموافقة السهلة وغير المشروطة التي تكرم بها الجنرال إبراهيم عبود على الرئيس جمال عبد الناصر لقيام السد العالي الذي غمرت مياهه أراضي أهلنا النوبيين وضيعت معالم تاريخهم وحضارتهم والثمن البخس الذي قبضه النظام السوداني نظير ذلك والذي تمثل في أشياء مضحكة تمثلت في لبن بودرة ولعب أطفال دون أن يتضمن الاتفاق شرطا واحدا لصالح أهلي تلك المناطق المتضررة كإنارة ما تبقى من أراضيهم من كهرباء السد ، أضف إلى ذلك التسامح الذي يقابل به السودانيون الزائرون لمصر صنوف الابتزاز والاستهبال المصري في السكن والأسواق كل هذا وغيره عمَّق التصور الخاطئ. ثم كان لوقوع عامة الشعب المصري -الفقير للثقافة والمحب لوطنه حد الجنون- تحت تأثير آلة إعلاميه عظَّمَتْ من قدر بلدهم وجعلتها (أم الدنيا) وقائدة الأمة العربية حتى باتوا لا يتقبلُون فكرة أن هناك دول أخرى لها مصالح وأهداف مختلفة عن مصالحهم وأهدافهم فكان لهذه الدعاية و(النفخة الكاذبة) الأثر السالب على صياغة الشخصية المصرية سهلت عملية اختراقها وتسخيرها وما الدور الذي كان يلعبه الرئيس المخلوع حسني مبارك في المنطقة خدمة للدول الإمبريالية ببعيد عن الأذهان، فالنفسية المصرية العاشقة للنجومية ذات الميل الفطري للمساومة وقعت أسيرة الصورة الزاهية التي تبثها (الميديا) عنها فأسهم ذلك في إصابتها بالنرجسية المفرطة وانعكس على السلوك العام الذي يتجلى في الاستهانة بعقل الآخر وبناء العلاقة معه على هذا الأساس مما أوقعها في المحظور. (2) عودا لخبر صحيفة (المصري اليوم) والذي ورد فيه أيضا :(إن الدكتور أيمن فريد أبو حديد, وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، قد قام بتشكيل وفدين من خبراء وزارة الزراعة لزيارة السودان ، لمعاينة مساحة مليون و250 ألف فدان في ولاية نهر النيل لتحديد مدي استخدامها لزراعة محاصيل غذائية تحتاجها مصر) – يا هلا ومرحبا- ولكن المهم أن يعلم شعب السودان المغيب طبيعة هذا الاستقطاع الحاتمي لأراضيه الزراعية الخصبة من قبل المؤتمر الوطني لصالح الأشقاء المصريين وهل سيحل أبناء النيل بين ظهرانينا كعمالة أجنبية بإذن عمل لأمد محدد أم (أصحاب ملك) ؟!! على حكومة المؤتمر الوطني أن تجيب على هذه الاستفسارات بكل شفافية وتطلع الشعب السوداني على كافة تفاصيل هذه الاتفاقيات وإلا فعلى الشعب أن يجبرها على ذلك قبل نصحو على حلايب وفشقة جديدة ونفاجأ بأن حدودنا مع الجارة الشمالية قد صارت ولاية نهر النيل فالوطن ليس إقطاعية أو ضيعة يملكها حزب أو شخص بعينه ليتصرف فيها وفق أهوائه ومخططاته المشبوهة. (3) إن عرض رئيس الجمهورية السخي لتوطين 10 مليون مصري في السودان بينما مواطنيه بين مطرقة النزوح وسندال الاغتراب والشتات مثير للشفقة والريبة ويطرح عدة أسئلة أهمها : هل من حق كائن من كان ولو كان رئيس الجمهورية أن يقوم بتقديم عرض خطير كهذا تترتب عليه تبعات أقل ما توصف بأنها دراماتيكية دون الرجوع لمؤسسات الدولة القانونية والتشريعية ودون علم الشعب؟! نخشى أن يكون هذا العرض الأسطوري أحد توصيات (التنظيم الدولي للإخوان المسلمين) يسعى من خلاله لإحداث تغييرات جذرية في تركيبة المجتمع السوداني البنيوية كخطوة نحو تنفيذ حلم دولة العروبة الإسلامية في السودان!!!. وإذ نحذر من خطورة هذه الخطوة تتداعى إلى الذهن تجربة الرئيس السابق نميري الذي أمر من قبل بتوطين بضع آلاف من الفلسطينيين وما جرته تلك التجربة من مشاكل أمنية واجتماعية أدَّت لفشلها، ثم أن جميع الدول العربية بما فيها (أم الدنيا) المراد توطين أهلها بأراضينا وسوريا ولبنان والأردن الأقرب من حيث العرق ورابطة الدم ترفض وبعنف مبدأ توطين الشعب الفلسطيني الذي تطحنه المحرقة الصهيونية على أراضيها فما بالك بشعبنا الذي تطحنه الصراعات ويعشش الفقر والمرض في شعابه وما زال يتلمس طريقه ويجاهد من أجل العيش الكريم والاستقرار بسلام. لقد سبق أن أبدينا تحفظنا في عدة مقالات سابقة على استمرار علاقة المؤتمر الوطني بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين خاصة وهو على رأس السلطة و من خطورة رهن سياسة السودان لمقررات شيوخ ذلك التنظيم الطامحين لتنفيذ مخططات تتعارض والمصالح الوطنية السودانية ، فرغم ادعاء المؤتمر الوطني الدائم للوطنية واتهامه للآخرين بالعمالة إلا أن إصراره على استمرار هذه العلاقة تجعل منه الحزب الوحيد (المشاتر) على الساحة السياسية السودانية الذي يغرد خارج السرب وتربطه علاقات مشبوهة مع تنظيمات أجنبية جرَّتْ علينا ويلات وغضب المجتمع الدولي حتى صُنِّفَ السودان ضمن الدول المارقة والداعمة للإرهاب. لقد آن الأوان لشعب السودان أن يعرف طبيعة علاقة حكومته بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي أيقظ ربيع الثورات العربية في ذاكرة شيوخه الآمال القديمة في استعادة دولة الخلافة، والتصريح الأخير للسيد رئيس الجمهورية عن أن حدود السودان الشمالية هي البحر الأبيض المتوسط إذا ما قُرِأَ في هذا السياق سيشير بوضوح إلى وجود مخططات تنظيمية دولية ضالعٌ في تنفيذها نظام الإنقاذ الحاكم، ويجهل شعب السودان معالمها ومراميها الحقيقية. تيسير حسن إدريس