إليكم (الفينا مكفينا ) .. إن كنتم تشعرون ..!! الطاهر ساتى [email protected] ** ومن لطائف الأهل بدار شايق، أن أحدهم عقد العزم على الإقلاع عن تناول الشاي نهائيا، مهما كان أثر ذلك على حالته النفسية و( صفو مزاجه )..فجرا ذهب الى جاره السنجك ليخبره بالقرار قائلا : حرم تاني جغيمة شاي ما تدخل حلقي ده، ياخ لي متين نحن نكون عبيد للكيف ؟..فاستحسن السنجك قراره وودعه بالدعوات الطيبات..ولكن عاد إليه صديقه قبيل الضحى بساعة، مبتهجا : عليك الله يا السنجك لقيتني كيف؟، من صباح الرحمن مادخلت جغيمة شاي في حلقي..وغادره، ثم عاد إليه عند الضحى بذات السعادة : عليك الله يا السنجك ماني صنديد وفارس؟، من أمبارح بالليل جغيمة شاي ما بلت حلقي..وغادره، ثم عاد إليه منتصف الظهيرة مباهيا : شوفت الرجالة كيف يا السنجك أخوي؟، نص يوم بحالو أخوك عايش بلا شاي..وغادره، ثم عاد اليه قبيل العصر منتشيا : هييع أنا أخوك يا فاطنة، عليك الله يا السنجك ماك متمني تلقى رجالة زي رجالتي دي تعيشك بلا شاي ؟..وهنا صارحه السنجك بحالته النفسية قائلا : والله يا سيد أحمد حالتك بقت تحنن العدو، اشرب شاهيك يا أخوى قبل ما تلقط الورق في الشارع ..!! ** وتلك هي الحالة النفسية لصحف الخرطوم منذ يوم انفصال الجنوب..كل الصحف، الموالية للحكومة منها والمعارضة والمستقلة، باركت لشعب جنوب السودان دولته الوليدة، وتمنت له السلام والرفاهية..بل حتى الصحف ذات السياسة التحريرية الداعية الى الوحدة، امتثلت للأمر الواقع وأبدت احترامها وتقديرها لقرار شعب جنوب السودان، وطالبته بحسن الجوار ثم التواصل الحميد مع الشمال، وطنا وشعبا..هكذا كانت روح صحف الخرطوم تجاه دولة جنوب السودان، عدا صحيفة الإنتباهة التي ودعت تلك الدولة بالسباب والشتائم واللعنات.. وكل هذا يجب أن يعني - واقعا وعمليا- بأن جنوب السودان - حكومة وشعبا ووطنا - يجب ألا يشكل وجودا في حياتنا العامة إلا بمقدار ما يحدث من حراك سياسي - سلبا أو إيجابا - بين الدولتين..يعني بالبلدي كدة : (هي دولة راحت لي حالها، وماعندنا شغلة بيها)، أوهكذا أمر الواقع الذي لامفر منه..ولكن السياسة التحريرية لصحف الخرطوم - كما صاحب السنجك - عاجزة عن الإقلاع عن تناول تفاصيل قضايا الجنوب..والأدهى والأمر أن تلك السياسة التحريرية لاتزال تتناول قضايا الجنوب بشكل يوحي للقارئ بأن الجنوب محض اقليم سوداني تحكمه حكومة الخرطوم المركزية، ولم يعد ( دولة أجنبية وجارة) ..!! ** على سبيل المثال..اعتراف اسرائيل بدولة الجنوب، كان خبرا رئيسيا يوم الإعتراف، ولايزال حدثا تستنكره أقلام الخرطوم بكل (قوة عين)..نعم، غريب امركم أيها الزملاء، ما لكم أنتم ودولة جنوب السودان وإسرائيلها، إعترفت بها أم لم تعترف ؟..هي - دولة جنوب السودان - مثلها مثل قطر ومصر الأردن وغيرها من الدول التي عواصمها تتحضن السفارات الاسرائلية جهارا نهارا وتحت سمع وبصر الدنيا والعالمين، فلماذا لاتستنكرون هذه العلاقة التاريخية كما تستنكرون تلك العلاقة الوليدة ؟..وللراحل أبو أمنة حامد تحليل طريف لمكانة ومقام أطراف الفم عند العرب وأهل السودان، حيث يقول : العرب يسمونها ( شفاه ) وذلك تقديرا لها وهياما بها ، ولكن نحن نسميها (شلوفة) تحقيرا لها وكراهية فيها، وهكذا تقريبا تحلل صحفنا علاقات إسرائيل، بحيث كانت ولاتزال ترى بأن علاقتها مع الدوحة والقاهرة (شفاه)، ولكنها إكتشفت - فجأة كدة - بأن علاقتها مع جوبا (شلوفة).. (شفاها) كانت تلك العلاقة الوليدة أم (شلوفة)، انتو ما لكم ومالها ؟..هما، اسرائيل وجنوب السودان - دولتان أجنبيتان، تقعان - جغرافيا وسياديا - خارج جغرافية وطننا وسيادته الوطنية، وعليه يجب أن تحترم أقلامنا ذاتها بعدم التدخل في شؤون الدول الأجنبية وعلاقاتها الدبلوماسية..هذا أو استنكروا - بالعدل والمساواة - علاقة اسرائيل مع كل الدول الأفروعربية بما فيها دولة جنوب السودان و دولة قطر، وبصراحة كدة ( دي ما بتقدروا عليها) ..!! ** ذاك نموذج حالة نفسية تعيشها صحف الخرطوم، ونموذج أخر هو ما يحدث منذ أول البارحة.. الحدث الرئيسي الذي تصدر قائمة أخبار صحف الأحد لايمت الي السودان وشعبه وقضاياه بأي صلة، فحواه : استقالة باقان من منصب وزير السلام بحكومة جنوب السودان، ليتفرغ لأمانة الحركة الشعبية بحكومة جنوب السودان أيضا..صحفا قالت انها استقالة، واخرى أضفت عليها (شمار وفلفل)، حيث قالت انها اقالة..وأيا كانت، بتهم الشعب السوداني في شنو، بحيث نغطي بها أنظار أهل السودان عن قضاياه و(كوارث حكومته) .؟..ناهيكم عن باقان، هب أن كل الحكومة استقالت وقدمت الحكومة لقيادة أخرى، ما قيمتها بحيث نصرف بها الرأي العام السوداني عن (مآسي واقعه السيادي و السياسي والاقتصادي والاجتماعي )..؟ ** وبالمناسبة، قيادات حكومة جنوب السودان - بمختلف تباينات رؤاها - جديرة بالإحترام، بحيث وضعت في جدول أعمالها هدفا إستراتيجيا، وبحسن التخطيط وإتقان التنفيذ (أصابت الهدف ) و حققت ( أمل شعبها)، وهكذا يجب أن تكون كل الحكومات خادمة لآمال وأحلام شعبها.. ما حدث ويحدث بين باقان ومشار لايختلف كثيرا عما حدث ويحدث بين نافع وقوش، بل أولئك بالجنوب يتفوقون على هؤلاء بالشمال بحيث أن اختلاف رؤاهم لم ينسهم خدمة قضايا وطموحات وغايات شعبهم الإستراتيجية.. وإن كنا لامحالة راصدين ومترصدين لحراك تلك الدولة الوليدة، فلنستلهم من قياداتها تلك الدروس العظيمة وليست سفاسف الأمور التي من شاكلة ( باقان زعلان، أتيم فرحان، ربيكا مكتئبة، اسرائيل اعترفت)، وغيرها من الإنصرافية المراد بها صرف عقل الرأي العام السوداني عن التفكير في (بؤس حاله وقبح حال بلده وسوءات حكومته)..المهم، علينا أن نتجاوز هذه الحالة النفسية التي نعيشها، إذ ليس من العقل أن نخدع شعبنا بحيث يكون محدقا في قضايا جنوب السودان ومتجاهلا قضاياه وقضايا وطنه، وكذلك معيب جدا أن يظل رصد وترصد جنوب السودان - شعبا وحكومة ووطنا- أكبر همنا ومبلغ علمنا، وكأن دولتنا - بشعبها وحكومتها - غارقة في بحور السلام والأمان و الإستقرار والرفاهية...( الفينا مكفينا)، إن كنتم تشعرون..!! ............. نقلا عن السوداني