رغم أنها لا تختلف لا في حجمها ولا شكلها عن أشجار النيم المنتشرة بكثافة في كل شوارع ودمدني إلا أن شجرة الصحفيين التي تجاور السينما الوطنية تعد من أهم وأشهر أشجار المدينة التى يتقاطر إليها مراسلو الصحف ابتداءً من الحادية عشرة صباحاً ويكتمل عقدهم في مشارف الواحدة ظهراً أو بعيدها ثم يتردد السؤال التقليدي الأكثر شيوعا في أوساط الصحفيين: (البلد فيها شنو) وعلى هدى الإجابات المتبادلة ينطلقون صوب مصادر المعلومات ثم يعودون إلى شجرتهم وأشعة الشمس قد استعارت من الذهب لونه... يعودون مرهقين يعلو الغبار هاماتهم ثم يشرعون في إعداد أخبارهم ويتسابقون نحو مركز خدمات على بعد أمتار تحسب على الأصابع لإرسالها إلى صحفهم وعقب الفراغ من عملية الإرسال التي تتم في أجواء شبيهة بحالات الطوارئ هكذا ينتهي يوم عمل (14) مراسل صحفي يتعاملون مع معظم صحف الخرطوم. (1) في صبيحة اليوم التالي يبدأ الجميع بمطالعة الصحف بحثاً عن أخبارهم وموادهم التي أرسلوها بالأمس ويحتفون بها في حال كانت منشورة والعكس حال تجد الرسالة مساحة في الصحيفة وفي كل الأحوال يبدأ يوم عمل جديد للجميع. ظلال غصون الشجرة المتمددة في الأفق تستقطب أنشطة وفئات أخرى غير المراسلين ومن أهمها منسوبو الأحزاب السياسية الذين يحملون أخبارهم مكتوبة او شفهية إلى حيث الصحفيين أملاً في أن تجد مساحة حتى ولو كانت صغيرة في مكان ما في صحفٍ إحساسُها بما يحدث بعيداً عن محيطها في مقرن النيلين ضعيف. (2) الشجرة أيضاً مزار لأصحاب المشاكل من المواطنين الذين يقصدون الموقع لعرض قضاياهم للرأي العام أو إبلاغها للمسئولين عبر الصحف فيأتون متأبطين ما يدعم مظالمهم من المستندات والأوراق وهي عادة قضايا حقوق ما بعد الخدمة أو نزاعات أراضي ورواد الشجرة ليسوا قصراً على ذوي المصالح والحاجات بل هناك أيضاً من يبحث عن الأنس وإزجاء الوقت واحتساء القهوة والشاي الذي تعده ليلى التي تلعب دوراً مهما وسط هذه المجموعات وتتربع صدر المكان كواحدة من أهم شخصيات مسرح هذا العالم الخاص. (3) شيخ المراسلين الأستاذ حامد محمد حامد وهو من أقدم رواد الشجرة قال إنهم اتخذوا من الشجرة مركز تجمع منذ أكثر من عامين لعدة اعتبارات لكن أهمها توفر الإمكانيات التقنية التي تساعدهم في إرسال المواد الصحفية والصور بعد تفريغها من الكاميرات (الانترنت، الفاكس، الطباعة، تصوير المستندات...إلخ) ويضيف: "الآن أصبح الموقع عنوانا لنا ويسمى بشجرة الصحفيين ويجاورها من جهة الجنوب شجرة السماسرة." (4) وحسب معلومات تحصلت عليها الصحيفة عرضت حكومة الولاية على الصحفيين تأسيس مكتب لهم غير أن خلافا ظهر في وجهات نظرهم بعد أن رفض بعضهم الخطوة بحجة أنها تتقاطع مع استقلالية المهنة والحكومة من جانبها لم تمض قدما في عرضها وبقي المراسلون تحت شجرتهم. أما حسن محمد عبدالرحمن فيرى أن ارتباطهم بالمكان تجاوز توفر المعينات إلى ارتباط وجداني خلق إلفة خاصة وساعد على ذلك أن المنطقة حرة يستقبلون فيها كل من له قضية أو مظلمة يريد إبلاغها للرأي العام لكن البعض يعتقد أن الموقع لا يليق برجال السلطة الرابعة، ويقول: "كثيرون يستنكرون وجودنا هنا غير أنني وكثيرين من زملائي نفضل البقاء فيه إلا في حال أنشأت لنا صحفنا مكاتب ندير منها أعمالنا ولأن إمكانية حدوث ذلك تبدو بعيدة على الأقل الآن فإننا نسعى لتكوين رابطة تضم كل مراسلي الولاية والبحث عن مقر لها". (5) من الشخصيات اللافتة في شجرة الصحفيين عبد الوهاب السنجك مراسل صحيفة الجريدة بشاربه الكث وتقاطيع وجهه الصارمة التي تخفي روحاً مرحة سرعان ما تعلن عن نفسها بمجرد الاقتراب منها. السنجك يرى أن الموقع يتميز بالوسطية والقرب من الدوائر التي تستقي منها الصحف المعلومات ويتفق سليمان مع السنجك فيما ذهب إليه غير أنه يبدو ميالا إلى إيجاد مكتب وينظر بعين الرضا إلى ما يسميها بمبادرة الحكومة سالفة الذكر. ويشتكي المراسلون من جملة إشكالات تواجههم منها عدم التزام الصحف باستحقاقاتهم وعدم الالتزام بنشر المواد التي يرسلونها فضلا عما يعتبرونه تهجما على المهنة ممن دخلوا عليها من باب الإعلانات ولا علاقة لهم بها.