(1) أحلام (زلوط)! رحيل الأبنوس بين عويل المعارضة ومنبر الظلام!! تيسير حسن إدريس [email protected] على الذين ما زالوا يراهنون على فشل دولة جنوب السودان الوليدة وعودة أبناء الجنوب من جديد مستعطفين حضن الوطن الأم أن ينتظروا طويلا ويسرحوا مع أحلام (زلوط) كما يحلو لهم ولكن أرجو منهم وهم محلقون فوق سحب أماني الوهم والانتظار الطويل أن يحافظوا على بقية (الجرة) ولا يكسروها ويريقوا ما تبقى من سَمْنها على (الرهاب)، فملف دارفور ما زال يراوح مكانه مهما ادعوا إغلاقه بالتوقيع على وثيقة الدوحة، وجنوب كرد فان في (عز الحريق) رغم الخريف والمطر، والنيل الأزرق في الانتظار (واقف على الهبشة) و(هبشك ألما ضراك) يا أيها الوطن الجريح المنكوب ببنيه. علينا نحن أهل الشمال أن نغادر مربع الوهم المعشش في العقول من مخلفات ماضي (الجلابة) المخزي ونلملم حرقة حزننا السالب وأدمعنا المراقة بعد فوات الأوان و(خراب سوبا) وزبد الأمنيات العليلة والأحلام المجردة من قوة الدفع الوطني كحال جميع بن يعرب تسيطر عليهم أحلام اليقظة وهم على الأرائك مُتكئون يرشفون لذة خمرها حتى الثمالة ويضاجعون مفاتنها السرابية حد الانتشاء ومن ثم يدبجون المذهبات شعرَ فخرٍ في البطولات المتخيلة فيسومون الأعداء سوء العذاب ويستردون القدس المغتصبة بين شوْطَيْ مباراة البطن والفرج لترتاح الضمائر المترعة بالهزائم والانكسارات منذ سقوط الأندلس وإلى اليوم، أي ضمائر تلك التي أدمنتْ قضاءَ حوائجِهَا كِذبًا وعزمُها أوهن مِنْ بيتِ العنكبوت؟!!. يجب مغادرة محطة الهزيمة والفشل الأخلاقي والسياسي الذي قاد أهل الجنوب للنفور والهرب من أنصاف الحلول ونصف الهوية المفروضة ومن فرط التقاعس عن أداء فرائض الوطنية والتشبث بالنوافل والسنن غير المؤكدة ومن جرح السقوط في امتحان إدارة التنوع والارتهان لثقافة المسلمات دون تمحيص وتدبر رغم أن أهلها وبعد كل تلك القرون لا يزالون زاهدين في منحنا شرف الانتماء فيا لها من مفارقة ميلودرامية - أن يفارق المرء دفء من يحب مكرها ليرتمي طوعًا في حضن بارد ولا يجد العزاء- فأي هوان ساقه علينا إفراطنا في الاستهانة بالأسئلة الكبرى والكسل في حسم قضايا الوطن المصيرية (الهوية/ إدارة التنوع/ وحماية الديمقراطية). (2) إني أرى غابةً تمشي! لقد رَحَلَ الجنوبُ بأهله الطيبين البسطاء وَوَضَعَ ماضي الحزن والجراح وظلم ذوي القربى خلف ظهره وانطلق مهرولا نحو المستقبل فما العجب في ذلك؟! العجب لو أنهم بقوا في ظل سياسات المركز الخرقاء التي أدمنت طعم الفشل ستين عاما ولا تزال تعبر عن جهلها وحقدها عبر صحف الغفلة والسوء الصفراء ومنبر الظلام الشامل وأقلام الشؤم المستعربة ، العجب لو أنهم اختاروا البقاء وأبدلوا الذي هو خير في دولة الحرية والكرامة بالذي هو أدنى في دولة الهوس والنفاق المقيم وبأي منطق معوج وقلة حياء و(قوة عين) يستقيم السؤال عن مغزى الرحيل ووجود (إسرائيل)؟!! ألا ترفرف نجمة داود في سماء العاصمة المصرية وقلب المملكة الهاشمية!! مالكم كيف تحكمون؟!!. ستمضي الغابة وتشقُّ طريقَها لبناء دولة العدل والحق والجمال غير عابئةٍ بجراح الماضي ولا ترهات المستلبة من فاقدي الهوية وأنصاف العربان ومن الخير لنا أن نصحو من غيبوبة التعالي الأخرق وممارسة الأبوة الكاذبة وهذا الهذيان الذي لا طائل منه وندع دولة الجنوب وأهلها في رحلة نضالهم الطويل نحو غد أفضل ، دعهم وشأنهم يهندسون مستقبلهم وفق إرادتهم وما يشتهون فهم أدرى بشعاب دولتهم وهم قادرون بعزمهم على تجاوز كل الصعاب وانصرفوا لشأن وطنكم الذي بات على حافة جرفٍ هارٍ فإني أرى غابةً تمشي وشجرًا يتحرك وشعبًا ما زال رغم المخاطر مسترخٍ على حافة الرصيف يمارس لعبة (السيجة) وطق (الحنك) وسف (تمباك ود عماري الجيد) وأحزاب سياسية شاخت تستمتع بلعب دور الضحية والاستماع لأغنية (الأطلال)!!. (3) معارضة دكا كينية! من يرى المشاكل التي تواجه دولة الجنوب وأخطاء الحركة الشعبية في ممارسة الحكم من أهل الشمال و(ما يشوف نتيجة عمايلو) يحاكي حال البعير الذي لا يرى (عوجت رقبته) ويبدو أن معاشرتنا للفشل ستين عاما وملازمته ملازمة الخِلِّ الوفي جعلت محاولة الخروج من هذا الحال عسيرًا، بل مجرد التفكير في التغيير مستحيلاً ليظل السلف يورِّث أسباب الفشل للخلف حتى تراكمت في أحشاء الأمة العوامل الوراثية السالبة التي أوصلتنا لهذا المصير فتحولنا لظاهرة صوتية يسخر من رعونتها شعوبٌ كانت حتى الأمس القريب تضرب في صحاري التِّيه حفاةً عراةً وتأكل من خشاش الأرض!! كيف لا وأحزابنا السياسية الرائدة في المنطقة والتي علَّمت دول الجوار معنى ساس يسوسه قد تحنطت وأصبحت أرشيف ذكريات يصلح فقط لبرنامج (من الأمس) التلفزيوني وغدت مراكزها ومقراتها التي كانت تعج بالنشاط والحراك السياسي والاجتماعي خاويةً على عروشها يؤمها شيوخ الحزب في جلسات (دكا كينية) لتناول القهوة وطق الحنك والتغني (بالذكريات) والتحسُّر على وطن يتآكل من أطرافة ويتلاشى دون أن يكون لهم دورٌ فيما يحدث وعضويتها ليست بخير من القيادات الكل ينتظر الآخر أن يبادر ويسعي فقد صار النضال من أجل حماية الوطن من التشرذم والهلاك فرض كفاية!! إذا قام به (البعض) سقط عن (الباقيين) والمفارقة المحزنة أن الجميع يصنِّف نفسه من (الباقيين) ولا( بعض) يذكر! ضُرِبَتْ عليهمُ الذُّلةُ والمسكنةُ خامدين هامدين كأنَّما على رؤوسهم الطير. (4) بانوراما الأحزاب الشيوعي أولا : لأنه رغم قلَّة إمكاناته المادية كان المؤهل أكثر من بقية الأحزاب للعب دور ايجابي في منع الانفصال وربط الشطرين لخبرة كوادره التنظيمية وقربه من سيكولوجية أهل الجنوب التي ترى في (شعار الدين لله والوطن للجميع) مخرجًا لازمة التهميش وفرض الهوية العربية بسبب الخلط الشائع بين الإسلام والعروبة مما جعلها تنفر من الأحزاب ذات الصبغة الدينية فإنسان الجنوب المسحوق يجد نفسه أقرب لبرنامج الحزب الشيوعي الذي يتبنى قضايا الطبقات الكادحة ويدعو لنظام مدني ديمقراطي وبقليل من الجهد كان يمكن للحزب أن يقلل من اتساع الهوة ويمد جسور التواصل ويخفف من حدة الاحتقان الذي عمقته سياسات النظام الحالي من حرب جهادية وخلافها وأدَّى في نهاية المطاف إلى الانفصال والرحيل الحزين لغابة الأبنوس ولكن يبدو أن متلازمة (المركز) اللعينة قد أصابت الحزب الطليعي كما أصابت غيره من الأحزاب التقليدية وأقعدته عن لعب هذا الدور التاريخي. في تعليق للرفيق (نقد) على نتيجة الاستفتاء قال:(دعوهم يجربوا ... سيعودون!!) ورغم احترامي وثقتي في (الحكيم) إلا أن الشواهد تقول: إنَّ انتظارَ عودةِ الأبَنُوسِ لحضن النَّخيلِ مُسْتحيلٌ. الأمة: عين في الجنة وعين في النار ، فالأمين العام يعلن عن الوصول لاتفاق بنسبة 85% على القضايا المختلف عليها مع النظام!! والإمام الحبيب لازال متأبطًا أجندته الوطنية ذهابا وإيابا ما بين القصر ومركز الأنصار حتى اهترأت أوراقُها وَأَكَلَ الإهمالُ غلافَ كُراستِها، في حين الكنداكة (مريم) تصرُّ في عزةِ وبسالةِ ملكاتِ (مروي) على النضال من أجل حق حزبها في التظاهر وتسْيير المواكب السلمية وتكسر ذراعها وهي تدافع في جسارة عن هذا الحق!! صورة سريالية ومن فرط تناقضها تصيب الناظر إليها بالدوار!! وغاية ما استطاع الإمام الصادق فعله أمام فاجعة الانفصال هو الدعوة الخجولة للتوأمة بين الدولتين والحضور شاهدًا على مراسيم الطلاق الوطني وإمامة المصلين لصلاة الجمعة الأخيرة في جوبا!! أي تفريط وإفراط هو ذاك يا إمام وكيف استطعت بربك تَحَمُّلِ كلّ هذا؟!! الاتحادي الديمقراطي: الأصل والتقليد كل يغني على ليلاه منهم من يحاول جهد أيمانه الالتحاق بقطار السلطة والنيل من فتات كعكتها، وآخرون لا يزالون مهرولين خلف مولانا الذي كلما أحس بأنهم في إثره (بالقاهرة) شد الرحال مبتعدًا نحو (جدة) في رحلة (الإيلاف ) الأبدية الممتدة بين صفا (أم الدنيا) ومروة (عروس البحر الأحمر) بحثا عن الوحدة العربية!! فحين يسجل غيابا عن مراسيم الطلاق الوطني يأتي بعذر أقبح من الذنب (لا يريد أن يشهد وهو الاتحادي عجاجة التقسيم!!) وكأن الحفاظ على وحدة وتماسك الأوطان يتأتى بالشعارات دون العمل على إنفاذها وجعلها واقعا جاذبا تقره القلوب ويقبله العقل!! شباب السودان: أولا وأخيرا لقد كنتم شهود (جرم جره سفهاء قوم وحل بغير جارمه العذاب) وعايشتم المهزلة فإن كنتم تريدون خيرًا بأهلكم وما تبقى من الوطن وتنشدون مستقبلا زاهرا لكم ولأبنائكم فاستقيموا واعتدلوا وهُبُّوا لنضالكم يرحمكم الله فَلَنْ يُغَيِّرَ اللهُ مُا بقومٍ حتَّى يُغَيِّرُوا مَا بأنْفُسِهِمْ. تيسير حسن إدريس 18/07/2011م