وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحزاب المعارضة السودانية في انتظار جودو ... بقلم: تيسير حسن إدريس
نشر في سودانيل يوم 03 - 06 - 2010

المتأمل لموقف الشارع السوداني عقب الانقلاب العسكري للجبهة القومية الإسلامية أو ما عرف (بثورة الإنقاذ) في 30 يونيو 1989م يلحظ مشاعر البرود واللا مبالاة التي لفت الشارع و استقبلت به الجماهير هذا التغيير الدراماتيكي ، إذا ما استثنينا بالطبع المطلعين علي الأمر من كوادر الحركة الإسلامية ... وهؤلاء قليل في ذاك الحين ، فمن جهة نجد إن الجماهير السودانية قد ملت الممارسة السياسية العقيمة للأحزاب التي تراكمت عليها العلل و الأمراض حتى أضحت كسيحة لا تقوى علي الفعل السياسي الراشد فهي فاقدة للبوصلة تمارس الدوران حول نفسها و حول قضايا الوطن الملحة وعاجزة عن تقديم حلول مقنعة رغم إن مشاكل الوطن واضحة المعالم غير مستعصية علي الحل أذا ما صدقت النوايا . ولكن تظل سياسة تقديم قدم وتأخير أخرى و غلوطية (خطوة إلي الأمام خطوتين إلي الخلف) نهج وديدن الساسة الكرام ، فهم مترددون حد الإحجام عن طرح المبادرات الشجاعة و الجريئة أو حتى نيل اجر المحاولة و شرف السبق ولعل مرد ذلك يرجع للتركيبة النفسية لإنسان السودان عامة المصاب بمرض (الرهاب) من كل جديد و المتحكمة فيه أغلال العادة و التعود نجده يكره المبادرة خجلا أو تواضعا و يرهب النقلات النوعية و يستغرب الطفرات وكل جديد حيث نجد أن العقل الجمعي يحبذ إلي الآن زواج الأقارب الذي يبعده عن المخاطرة والفشل كما نجد أيضا تمسك الفرد بالمسكن الأول والمدينة التي ترعرع فيها يتخذ منحى فوق ما اعتادته الشعوب الأخرى لذلك نجد شائعا في تراثنا الشعبي الأمثال من نوع (جن تعرفه و لا جن يكلكلك) و (ألفات قديمه تاه) فالكل يخاف التو هان و لا يحمل الكلكلة.
عودا إلي موضوع الجماهير المغلوبة علي أمرها نجد أن عقلها في ذلك الحين كان مازال مشبعاً بمآسي ومرارات النظام العسكري المايوي السابق و ممارساته القمعية كما إن مشاعر البغض لصنوف التضييق و كتم الحريات مازالت طازجة وحاضرة تحتل وجدانها. ونتيجة لهذه الحالة من الشتات التي لفت الجماهير زاغت الأبصار و حارت القلوب بين حالين أحلاهما مر من جهة هي كارهة لضعف و خطل الحكم المدني الديمقراطي وعجزه البين عن تنفيذ ما وعد به في خطابه الانتخابي ومن جهة أخرى مصابة (بفوبيا) الأنظمة العسكرية التي خبرت شرها وتجرعت الذل و الهوان في عهديها الماضيين ( نظام الفريق عبود و نظام المشير نميري) بالإضافة أيضا للعجز و التخبط في إنجاز البرامج والوعود الوردية و التي عادة ما يحفل بها البيان الانقلابي رقم واحد. تحت وطأة هذا الانقسام الوجداني و حالة الإرباك النفسي مابين السيئ و الأكثر سوء ركنت الجماهير إلي حائط مبكاها تندب حظها العاثر مترعة بالإحباط والأحزان حد الثمالة ، موغلة في صحراء التيه و الحيرة بلا هدى منصرفة عن هؤلاء القادمون الجدد لسدة الحكم و أولئك المدبرون عن سدته... وانكفأت علي ذاتها تنقب في جد ومثابرة عن الحلول الفردية الممكنة ضاربة بإرث التكافل الاجتماعي و روابط الآسرة الممتدة بل و بكل سمح و أصيل في منظومة القيم الاجتماعية السودانية عرض الحائط.
اختارت مجموعات مقدرة من أبناء شعبنا المنافي و الشتات حلا و وطنا و مستقرا والمنافي كما تعلمون نوعان و كلاهما إجباري و علقم فقد ينفي الشخص نفسه داخل ذاته هروبا من الواقع و تعقيداته و يغرق في بحر من الظلمات يقوده في أحيان كثيرة ألي الإدمان علي المسكر أو المرض النفسي و الموت السريع بالانتحار حل لمشاكل دنياه غير عاب أو مكترث بأخراه ، أما النوع الأخر من المنافي هو الجغرافي (المكاني) الذي ينبت فيه الفرد أو الآسرة بأكملها من المنبت الأصل و تغرس في تربة غريبة لا عشيرة ولا أهل فيها ولا حزام أمان قيمي و أخلاقي يقي من الضياع أو الاستلاب علي أقل تقدير... أنها بحق حياة المضطر الذي ركب الصعب (فالقمح مر في حقول الآخرين و الماء مالح) كما قال (درويش).
هذا ما كان من أمر مجاميع المنافي بنوعيها (النفسي و الجغرافي) أما حال الأغلبية العظمى والتي لم تجد إلي الهرب سبيلا واستطاعت إن تتلقى الضربة الأولى و تمتصها متحاملة علي ذاتها و تتوازن طوال الأشهر الأولى من عمر انقلاب الإنقاذ بعامل السند النفسي الذي تمثل في وجود قيادات أحزابها التاريخية بقربها ولو كانوا في محنة المعتقلات غدت بعد حين ترقب في اندهاش و عجب تسرب تلك القيادات الواحد تلو الآخر بدواع شتى للخارج مولين الدبر تاركين الجمل بما حمل يلهث تحت وطأة نظام لم يراع في أهله و شعبه ذمة و لا دين . لقد كان الحري بهذه القيادات البقاء وسط جماهيرها وتوفير السند المعنوي لها و حشدها و رص صفوفها لمواجهة المجهول القادم بدلا عن الهرب و التسكع في المقاهي و أروقة الفنادق وإطلاق الحناجر في زعيق وعويل أجوف تتقاذفه الريح بعيدا عن آذان أصمها العوز و الفقر و قلوب أدمها ظلم ذوي القربى والغريب في الأمر إن بعض هذه القيادات الناكصة أطلقت تصريحات قبل مغادرتها يفهم منها المباركة لما تم من انقلاب و خرق للشرعية و الدستور وكان الأمر لا يعنيها في شيء.
اجتمع سامر القوم في المنفى مكونين (التجمع الوطني الديمقراطي) كتحالف معارض لنظام الإنقاذ ومنه أطلقوا لحناجرهم العنان لتوهم جماهير الشعب السوداني بأن أيام نظام الإنقاذ معدودة و هو إلي زوال قريب ومن ثم يخضعون لسلطان النوم في العسل حالمين بالعودة المظفرة للبلاد علي صهوة خيل (الحركة الشعبية لتحرير السودان) الفصيل الجنوبي الذي يحارب منذ عام 1983م من أجل قضايا شعب الجنوب العادلة بعدما أقنعوه بالانضمام لتجمعهم الديمقراطي متوهمين أن الحركة الشعبية لتحرير السودان سوف تحارب لهم حربهم ومن ثم تقدم لهم مفاتيح الخرطوم علي طبق من ذهب ليدخلوها بسلام أمنين مكللين بالغار . لقد نسوا أو زين لهم ضعف حيلتهم إن يتناسوا حكم و أمثال توارثوها من السلف تقول (ما حك جلدك مثل ظفرك و صاحب الحاجة بركب الصعب) والعكس تماما ركب قادتنا الكرام السهل الممتنع و تعذر عليهم بناء قوات محاربة ذات شأن و تأثير الشيء الذي جعل موقفهم ضعيف وأمرهم هين أمام عدو الأمس و حليف اليوم ذو الجيش العرمرم الجبار . فهانوا و سهل الهوان عليهم مما وفر الأجواء للحركة الشعبية لكي تبيض و تصفر فارضة إرادتها السياسية ولا مفر لهم سوى البصم بالعشرة علي جميع مطالبها والتي أوصلتنا في مؤتمر (أسمرا للقضايا المصيرية) المنعقد باريتريا عام 1995م إلي الموافقة و بالإجماع ألسكوتي علي حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان. لن يستطيع كائن من كان أن يقنع شعب السودان بأن قرار حق تقرير المصير كان من صنع نظام الإنقاذ وحده مع التأكيد علي أنهم كانوا السباقين لذلك في مفوضات فرنكفورت عام 1992م بين ممثلهم الدكتور علي الحاج و الدكتور لأم أكول فلقد تلت تلك المفوضات هرولة مماثلة من جميع الأحزاب المعارضة في الشمال فتمت اتفاقية (شقدوم) بين الحركة الشعبية و حزب الأمة و سبقها بشهر وأحد البيان المشترك بين الحركة الشعبية و الحزب الاتحادي الديمقراطي وأخيرا الحزب الشيوعي السوداني في لقاءه مع الحركة الشعبية في أبريل 1995م . المهم في الأمر إن جميع الأحزاب السودانية الرئيسة قد شاركت ولو بدرجات متفاوتة في صنع قرار الانفصال القادم في 2011م ، فكما أجازته قوى المعارضة في وثيقة (مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية) عام 1995م عادت الإنقاذ ونفذته بعد أن رفع عنها الحرج عام 2005م عبر اتفاقية (نيفاشا) للسلام الشامل.
إن فصل الجنوب المسيحي و التفرد بالحكم في الشمال وبناء دولة العروبة الإسلامية ظل هوى وأشواق تداعب خيال كثير من رجالات نظام الإنقاذ حتى وفرت لهم الأحزاب المعارضة الشمالية في مؤتمر أسمرا الفرصة الذهبية للإفصاح عن ذلك الحلم والعمل الجاد علي تنفيذه علنا ودون حرج ، فعلما تتباكى القوى السياسية الشمالية اليوم وتجر المسوغات الهشة في محاولة بائسة لنفض اليد وإخلاء المسئولية و إلصاق وزر تفتيت الوطن بنظام الإنقاذ وحده فلقد ظل هذا الأمر طموحهم المضمر وأنتم من ساعدهم في تنفيذه!!! فرغم التعليلات التي تسوغها أحزاب الشمال المعارضة وهنا اخص الحزبين الكبيرين الأمة و الاتحادي لأنهما من حكما السودان طوال فترات الحكم الديمقراطي الماضية بأنها كانت قادرة علي جعل الوحدة ممكنة و جاذبة أذا ما توفرت لها فرصة المشاركة في صياغة اتفاقية (نيفاشا) للسلام و من ثم المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية التي أشرفت علي تنفيذ مراحلها في الفترة الانتقالية خلال الخمس سنوات الماضية وقد تكون صادقة في نواياها و في هذا القول ولكن للأسف واقع حال ممارستها السابقة وهي في الحكم لا يسند هذا القول و يجعل من الصعب علي المرء تصديقه لذلك مهما حاولنا أن ندفن رؤوسنا في رمال التحامل المبرر علي نظام الإنقاذ ألإقصائي يجب علي أحزاب المعارضة الشمالية الاعتراف بان ضعف الحيلة و البصيرة واستسهال الحلول و انتظار المعلب و الجاهز منها وارد المجتمع الدولي هو الذي أورد الوطن هذا المورد العكر لنشرب جميعا كدرا وطيناً.
خلاصة القول أن أحزاب المعارضة الشمالية قد ارتمت في أحضان المارد الجنوبي (الحركة الشعبية لتحرير السودان) وزعيمها الفذ الراحل دكتور جون قرن و الذي أثبتت الأيام و المواقف في حياته و بعد رحيله التراجيدي بأنه كان سياسيا محنكا من الطراز الرفيع افتقدته الساحة السياسية السودانية في فترة هي أحوج ما تكون إليه ، فرجل استطاعت بشخصيته الفذة و حكمته أن يوظف تحالفه مع الأحزاب الشمالية داخل التجمع الوطني الديمقراطي لخدمة قضيته المركزية حيث أفاده هذا التحالف في التمدد في علاقاته الخارجية خاصة مع دول المحيط العربي و الإسلامي ونلحظ ذلك في علاقاته الجيدة مع كل من مصر و ليبيا و حتى المملكة العربية السعودية التي دعمته في فترة من فترات نضاله وأيضا في علاقاته الدولية حيث اصبغ عليه التحالف مع قوى الشمال المعارضة اللون الوطني و وفره له الغطاء الشرعي ليتحرك معارضا باسم السودان كافة بدلا عن التحرك باسم شعب جنوب السودان فقط خاصة و برنامج الرجل يدعو إلي السودان الجديد الموحد. زوده ذلك وأمده بقوة دفع كبرى لتجاوز نفق التعقيدات في العلاقات الإقليمية و الدولية و صولا إلي هدفه المنشود و هو إنجاز سلام عادل يعطي شعب الجنوب حقوقه المغتصبة منذ الاستقلال، ولقد نجح بجدارة تجعل منه أنموذج مشرف للبطل الشعبي و القومي لا يقل نبلا و جلالا عن نيلسون مانديلا و بتريس لوممبا وسمورا ميشيل.
نعود من جديد لواقع أحزاب المعارضة الشمالية المحزن فبعد أن وقعت تماما في مصيدة الحركة الشعبية و أصبحت رهينة لاستراتيجياتها و تكتيكاتها استسلمت وراحت في سبات عميق ... لتصحو فجأة مذعورة علي أنغام وإيقاعات رقصة (الجالوه) وهي تعانق (عرضة) الجعليين معلنة عن توقيع اتفاقية (نيفاشا) للسلام بين نظام الإنقاذ العنيد والحركة الشعبية لتحرير السودان منفردة!!!!!! وبرعاية ومباركة القوي الدولية والإقليمية حيث تم تجاهل و استبعاد و تهميش الأحزاب المعارضة في الشمال و التي لم يكن لها طوال فترة معارضتها الماضية أي تأثير يجعل منها لاعب أساسي ضمن( تيم) المنتخب الوطني!! عندها فقط أدركت تلك الأحزاب فداحة الخطأ الذي ارتكبته باغترابها عن الجماهير وغيابها عن الساحة و تقاعسها عن أداء الدور المأمول فيها من التعبئة والتحفيز وحشد الجهود و رص الصفوف وإعادة إنتاج خطابها بلغة تنير لجماهيرها الطريق وتخاطب تطلعاتها بدلا عن تلك البيانات العجاف من الخارج التي لم تسمن و لم تغني من جوع مما أدى إلي انصراف جل الجماهير عنها باحثة عن الحلول والمخارج الفردية متناسين معضلة الوطن الكبرى (وجود نظام الإنقاذ) و هنا تجللت عمق الأزمة الوطنية.
نتيجة لكل ما سلف ذكره من تراكم خيبة أمل الجماهير في أحزابها وانصرافها عنها لضعفها و سوء تدبيرها ، جاء توقيع اتفاقية (نيفاشا) للسلام و التي وقعتها الحركة الشعبية منفردة بعد أن تخلت عن شركائها في التجمع الوطني الديمقراطي (الممحن) لتكون (القشة التي قصمت ظهر البعير) و تقف بعدها تلك الأحزاب عارية أمام مرآة كربها و تدرك حقيقة أن حليفها القوي قد أنصرف عنها و كشف ظهرها لسهام الإنقاذ الشامتة لتتناوشها وتنال منها .لقد أعطت اتفاقية (نيفاشا) لشعب الجنوب و حركته المسلحة أكثر من ما كان يأمل ويحلم فسقط بالتالي المبرر لاستمرار الحرب و استمرار الحركة الشعبية كفصيل معارض ومعادي لنظام الإنقاذ وهنا سقطت ورقة التوت التي كانت تغطي ضعف تلك الأحزاب لتجد نفسها في مأزق تاريخي لا تحسد عليه ولم تجد قياداتها المتخبطة سوى الهرولة الرعناء خلف النظام القائم كل علي حده في محاولة بائسة لإيجاد موطأ قدم له عبر البصم علي اتفاقيات صورية قصد بها رجال الإنقاذ تدمير ما تبقي من ثقة و مصداقية لتلك الأحزاب وقياداتها التاريخية التي ما اتعظت تلدغ من الجحر ألف مرة وهي تعلم أنها لا تساوي ثمن الحبر الذي صيغت به و المضحك و المبكي أن هذه الأحزاب وبطبيعة حال نظام الإنقاذ المراوغ كانت تعلم علم اليقين أن هذه الاتفاقيات غير قابلة للنفاذ ورغماً عن ذلك ارتضت هذا الوضع المهين صاغرة علها ترفع بعض الحرج عنها وتحفظ بعض ماء الوجه و هي عائدة لجماهيرها و قواعدها كما خرجت قبل عقدين من الزمان (بخفي حنين) و(خالية الوفاض).
لقد نحرت أحزاب المعارضة الشمالية يوم رهنت أوراقها و أدوات نضالها و وضعت كل بيضها في سلة الجبهة الشعبية لتحرير السودان ونسيت أن في السياسة قد تتقاطع المصالح اليوم و لكن هذا لا يمنع من توازيها غدا خصوصا في ظل التحالفات التكتيكية فالتجمع الوطني الديمقراطي كان تحالف مرحلة تكتيكي يعمل وفق برنامج حد ادني وحتى هذا فشل في الإيفاء به (فليس هناك صداقات دائمة و لا عداوات دائمة و لكن هناك دوما مصالح مشتركة) قاعدة سياسية شديدة البساطة و الوضوح إلا أن هذه القيادات المترهلة قد أدمنت إنتاج أخطائها وكذلك الحال يوم توهمت دور خارجي يقصر عليها درب نضالها الشاق و تستطيع الركون إليه في وزن معادلتها المختلة في كفاحها ضد نظام أحكم قبضته و تمكن حينما عرف كيف يلجم حراك الجماهير الحائرة لغياب قادتها ودورهم التنويري و التعبوي فأدخلها بسهولة ويسر مغيبة في حالة من الكمون والبيات وشل حركتها بالقوانين الظالمة التي شرعها وأجازها وعمل وفقاً لها طوال فترة حكمه الماضية و مازال يصر عليها (قانون الأمن العام وغيره) حفاظا علي مملكته الإسلامية!!! دون أن يجد أي صعوبة أو مقاومة جادة تذكر من أحزاب أرهقها انتظار( جودو) ومازالت تصر علي أحلام( زلوط) !!!. إن الرهان علي الدور الخارجي الداعم والمساعد ظل دائما وآبدا خيار الخاسر والتجارب من حولنا تثبت ذلك (أفغانستان و العراق). فمن أهم الأسباب التي أطالت عمر نظام الإنقاذ وأمدته بمادة إعلامية و دعائية دسمة أسهمت في ثراء وقوة تأثير خطابه الجماهيري ولفت حوله كثيرا من المخدوعين وأصحاب العقول الخاوية و الببغاوية هي مادة لجوء الأحزاب المعارضة للخارج طلبا للنصرة والغوث في سعيها لإسقاطه حيث استطاع أن يوظف هذه الورقة الحساسة ويلعب بها بدهاء وخبث ويربح علي الدوام ، لقد درس منظري نظام الإنقاذ و مفكريه شخصية الفرد السوداني وخبروا مكنونات سيكولوجيته واستفادوا من كل ذلك في صياغة خطابهم الجماهيري الذي بناه علي التصدي و مقاومة المعتدي الخارجي الأثيم بالإضافة لتحفيز و دغدغة مشاعر البسطاء بالتهليل و التكبير وغناء الحماسة و رقصة(العرضة) المرتبطة في أذهان العامة بالرجولة و الفروسية والتي برع فيها السيد الرئيس وأبدع. إن أكثر ما يستفز إنسان السودان و حتى المثقف منهم و يخرجه عن طوره الإحساس بان غريباً ما يتدخل في شأنه الخاص أو يمارس الوصاية و الاستعلاء عليه أو كما يقول أهلنا بالعامية البسيطة يمارس عليه (الحقارة) و لقد لعب دهاقنة الإنقاذ بهذا العامل النفسي و عزفوا علي هذا الوتر الحساس وأجادوا دوزنة سيمفونية ارتهان أحزاب المعارضة للخارج و بيعهم الوطن للاستعمار الحديث فخاطبوا بذلك المشاعر الدنيا للمواطن و أشعلوا فتيلها فزاد كفرا وبعدا عن أحزابه التي أضحت بين ليلة و ضحى عميلة و متحالفة مع الشيطان ضد الوطن!!!!!!! ، لتنقلب الصورة في ذهن البسطاء من أبناء شعبنا رأس علي عقب فيصبح القاتل هو الضحية والمقتول هو القاتل !!! أنهم و رب الكعبة فرقة من الحواة و السحرة . فعندما تدغدغ مشاعر الغالبية الأمية من الشعب بالشعار الديني و يتم حشو رأسها بالهتاف ألمعتقدي المفرغ من المضمون وفي غياب الأحزاب الوطنية و التيارات التنويرية التي يمكن أن تتصدى لهذا التجهيل المقصود باسم الدين في مجتمع أساسا يفتقر لوسائل المعرفة الحرة و العقلانية فلن يكون في استطاعة العامة من الناس فهم جوهر القضية ومتطلبات الحياة السياسية و الاقتصادية المعاصرة ولن يستطيع أحد أن يلومها علي ذلك الموقف خاصة من تخلوا عنها و فروا بجلودهم طلباً للنجاة إلي الخارج وتركوها في حيرتها و وضنك عيشها تمارس (لحس الكوع) لتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم ، أنها حق مأساة كبرى و صياغة بائسة لإنسان السودان وفق ما نشده نظام الإنقاذ عبر مشروعه الحضاري المتوهم.
تيسير حسن إدريس / السعودية / بريده / 03/06/2010م
تيسير ادريس [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.