[email protected] * بتوحد أبنائها وتآخيهم قدمت كادقلي هذا \"النموذج الفريد\" في إدارة الصراعات السياسية.......... ماذا ستقدم اليوم بتشتت أبنائها وتناحرهم * ذهب الجنوب، فلندرك ما متوقع رب ضارة نافعة ...... و\"عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم\". إن ما حظيت به مدينة كادقلي الجميلة من تسليط الضوء عليها في الأيام الفائتة، محلياً وعالمياً، لم يحدث من قبل ومن غير المتوقع أن يحدث من بعد..... وللأسف كان السبب في ذلك سلبياً ومؤلماً للغاية؛ إذ احتكم بعض أبنائها للسلاح وللجبل حلاً لما يعانونه من مشكلة فكان احتكام الحكومة بالمقابل، وكما متوقع، للسلاح ولهذا الجبل أيضاً حسماً للأمر فكان العنف والعنف المضاد وما بينهما آلاف المشردين رجالاً وركباناً. من المستفيد؟؟!!! ليس أحد من الأطراف الثلاثة ,,,,, لا الطرف الذي بادر باللجوء إلى السلاح ولا الحكومة التي ردت بالمثل ولا المواطن المغلوب على أمره بينهما والذي ترك داره وماله تشرداً وتحسراً بعد شعاع أملٍ وشيءٍ من استقرارٍ قليل,,, من المستفيد إذن ؟؟؟!!!! ما يهمنا جميعاً أبناء الوطن الواحد، شماله وجنوبه، منفصلاً وغير منفصل، هو أن نسعى بكل جد وإخلاص لنجعل هذه الضارة نافعة وهذا المكروه خير لنا كافة. ما السبيل إلى ذلك؟ يكمن السبيل إلى ذلك، بشكل أساسي ومن بين أمور أخرى، في أبناء كادقلي وجبال النوبة أنفسهم ومدى قبولهم لبعضهم البعض وقناعتهم بالجلوس معاً من أجل إيجاد الحلول السلمية لما يعانونه من مشاكل مهما طفحت في السطح، بين الحين والآخر، من توجهات لبعضهم في اللجوء إلى السلاح لتحقيق أهدافهم. كما يكمن السبيل إلى ذلك في استلهام أبناء كادقلي وجبال النوبة لتجاربهم السابقة في هذا المجال واستخلاص العبر والدروس منها للتقدم إلى أمام. ومن بين هذه التجارب تجربة مخفية على كثيرين هي تجربة اتحاد مزارعي جبال النوبة،،،،، نعم اتحاد مزارعي جبال النوبة ،،،،، ما الذي يجعلنا نتحدث، وسط دهشة منا، عن اتحاد مزارعي جبال النوبة ونحن نبحث عن حل لمشكلة كادقلي وجبال النوبة بصفة عامة. إن السبب في ذلك هو الأسلوب الفريد الذي انتهجه قادة هذا الاتحاد في توحيد أبناء جبال النوبة، بمختلف أعراقهم وتوجهاتهم السياسية، وإدارة الصراعات السياسية ضمن هذا الاتحاد وتمكنهم من تحقيق أهداف مزارعي جبال النوبة، كما سنرى، في مسيرة امتدت لما يقارب الثلاثين عاماً ظلوا هم فيها قادة لهذا الاتحاد، ينتخبهم مزارعو الجبال في كل دورة، بفضل هذا الأسلوب الذي انتهجوه. ما هو هذا الأسلوب؟؟!!! قبل الإجابة نلقي نظرة سريعة على تأسيس اتحاد مزارعي جبال النوبة. يقول السيد عبد الرحيم الماظ، وهو أحد القادة المؤسسين لاتحاد مزارعي جبال النوبة في مسودة كتاب للمرحوم أحمد مالك شايب رئيس الاتحاد عن الاتحاد: \"نشأ اتحاد مزارعي جبال النوبة بعد عدة مقالات في جريدة كردفان للأستاذ الفاتح النور تحت عنوان \"أقطان جبال النوبة ومصانع مانشستر الإنجليزية\" حيث أوضح فيها أن القطن يباع بمبلغ 36 قرش للقنطار ويصدر إلى المصانع البريطانية لينسج ويعود للسودان في شكل قماش يباع بما يعادل ثمن الذراع في ذلك الزمن ثمن قنطار وكان أ. الفاتح النور يناشد المزارعين بتكوين اتحاد لهم لحماية حقوقهم. هذه الضرورة دعت أخونا المرحوم أحمد مالك إلى عقد اجتماع مصغر مع بعض الشخصيات كنت من ضمنها حيث تفاكرنا في كيفية تكوين اتحاد للمزارعين. قمنا باتصالات أولاً هنا في مدينة كادقلي ثم الدلنج وأبوجبيهة والليري بعدها تم تبنى الأمر وعقدنا مؤتمر تمهيدي في الدلنج تمخض عنه تكوين لجنة تمهيدية لإتحاد المزارعين. ويضيف الأستاذ (الراحل بجسده المقيم بعمله) الفاتح النور في كتابه عن جريدة كردفان \"كردفان خلف الأخبار والحوادث\":\"وفي مدينة الدلنج وفي يوم الخميس 16 مايو 1952 انعقد المؤتمر التأسيسي لاتحاد مزارعي جبال النوبة وحضره جمع غفير من كبار المزارعين – عرب ونوبة – كما جاءت لحضوره شخصيات قيادية لها وزن في السودان كالأستاذ الكبير أحمد خير المحامي والسيد محمد السيد سلام رئيس اتحاد عمال السودان والسيد علي التوم عن اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وغيرهم.\" ويقول السيد عبد الرحيم الماظ: كان الاتحاد في نشأته يسمى اتحاد مزارعي أقطان جبال النوبة حيث كان اهتمامه الأساسي بزارعة القطن إلا أنه بعد ذلك تغير المسمى إلى اتحاد مزارعي جبال النوبة بسبب أن المزارع الذي كان يزرع القطن كان يزرع معه محاصيل أخرى كالسمسم والذرة. وعن أهداف الاتحاد يقول السيد عبد الرحيم الماظ: \" أهداف الاتحاد كانت إزالة الغبن والظلم الواقع على المزارع في جبال النوبة والنهوض بمستوى المزارع ليواكب التطور ويرتفع من مستوى مزارع بسيط إلى مستوى مزارع له إمكانيات معيشية تخدمه وتخدم أبناءه\". خلع الجلباب الحزبي والآن،،، ماهو هذا الأسلوب الفريد؟!! يقول السيد عبد الرحيم الماظ في مسودة الكتاب المذكور: \" كان تكوين اتحاد مزارعي جبال النوبة بفكر المرحوم أحمد مالك والذي تمكن من توحيد أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد مزارعي جبال النوبة الذي كان يضم كافة الأحزاب السياسية إلا أن رئيس الاتحاد المرحوم أحمد مالك كان يصر دائماً على أن \"يخلع كل عضو جلبابه الحزبي خارج مبنى الاتحاد\" ويدخل إليه باعتباره مزارعاً فقط ويناقش قضية محددة هي قضية المزارعين. وبهذا الأسلوب ساد اتحاد مزارعي جبال النوبة وضع مميز لم تظهر فيه الميول السياسية على الإطلاق. وبهذا أضحت هذه صفة مميزة لاتحاد مزارعي جبال النوبة. وأذكر أنه جاء وفد من مزارعي الجزيرة إلى كادقلي في زيارة وعقدوا معنا عدة اجتماعات وأبدوا استغرابهم في كيف ندخل اجتماعاتنا ونحن متوحدين في شيء واحد وهو قضايا المزارعين كما استغربوا أكثر في أن الاتحاد كان يضم في عضوية مكتبه التنفيذي عدداً من كبار السن أمثال المرحومين علي البولاد وكركون عبد الله وغيرهما وكيف يتحمل هؤلاء الجلسات الطويلة لاجتماعات المكتب ويكون نقاشهم هادئ وطلبوا منا الذهاب معهم إلى الجزيرة لنعكس لأعضاء اتحادهم هناك كيف ندير اجتماعاتنا. وبالفعل ذهب وفد من الاتحاد وضم في عضويته النور احمد سنجك وعبد الرحمن ابو البشر وخليل أبو نخيلة وعقدوا عدة اجتماعات مع اتحاد مزارعي الجزيرة. @@@@@@@ إذن، الأسلوب الفريد الذي انتهجه قادة اتحاد مزارعي جبال النوبة هو ضرورة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الحزبية الضيقة... @@@@@@ المنجزات التي حققها اتحاد مزارعي جبال النوبة في ظل انتهاج أسلوب \"خلع الجلباب الحزبي\" رفع سعر القطن: يقول السيد عبد الرحيم الماظ: \"بعد تكوين الاتحاد حاولنا الدخول في إضراب بإدخال القطن إلى الزريبة ونرفض توزيعه وكان القطن الموجود بالزريبة يبلغ حولي 700 قنطار فقمنا بتجميع المزارعين وأفهمناهم أن سعر القطن المطروح لا يتناسب بالمرة مع الأسعار العالمية وأننا كمزارعين مظلومين ولا نرغب في بيع القطن إلا بعد رفع سعره. وبالفعل تم الإضراب لمدة ثلاثة أيام وقامت الشرطة باعتقالنا وكنت أنا والمرحوم الشيخ محمد شريف أول من تم اعتقالهم إلا أنه تم إطلاق سراحنا بعد ساعة تقريباً بعد أن تجمع المزارعون وثاروا أمام السجن وكان هذا الإضراب قبل تسجيل الاتحاد (تسجيله كان عام 1956) . بعد إطلاق سراحنا تم رفع أسعار القطن من 42 قرش للقنطار إلى 320 قرش وسمى المزارعين تلك السنة \"سنة خمي\" للارتفاع الكبير والمفاجئ في الأسعار والربح الوفير الذي جنوه. التحديث الزراعي: يقول الشيخ توتو، وهو من القادة المؤسسين لاتحاد مزارعي جبال النوبة في مسودة الكتاب المذكور: \"من أهم إنجازات الاتحاد هي مشاريع التحديث الزراعي في فترة الخمسينات حيث تم تحديث لبعض المحاصيل وفي مواقع بعينها بمحافظة كادقلي وتم توزيع بعض الجرارات على المزارعين كما قام الاتحاد بإنشاء مشروع لزراعة التقاوي مما أدى إلى زيادة إنتاجها بشكل كبير هذا فضلاً عن مساهمة الاتحاد في دفع مسيرة مؤسسة جبال النوبة الزراعية وذلك عبر المقترحات التي كان يقدمها وكانت تلقى القبول من إدارات المؤسسة. تنوع المساهمات: يقول السيد عبد الرحيم الماظ: \"في الجانب الوطني فإن اتحاد مزارعي جبال النوبة قدم الكثير وكانت مساهماته في كل المناسبات وتتنوع بين مساهمات عامة وطنية ومساهمات شخصية كالتبرعات في تعبيد الطرق والمساعدات الشخصية للمحتاجين وغيرها برغم شح الإمكانيات في ذلك الوقت إلا أن أهم إنجاز له هو تكوين اتحاد عام مزارعي السودان. كما يضيف الشيخ توتو: \"من بين المساهمات الاجتماعية للاتحاد الخدمات التي كان يقدمها للطلبة وكانت عبارة عن إعانات مادية يقدمها للطلبة أبناء المزارعين الذين درسوا في خارج السودان وبصفة خاصة في مصر\". معرفة المزارعين لحقوقهم: يقول السيد عبد الرحيم الماظ: \"من المنجزات التي تحققت من ارتفاع أسعار القطن هي معرفة المزارعين لحقوقهم حيث كان المزارع يجلب قطنه إلى الزريبة ويصرف قيمته ويرجع إلى منطقته لتأخذ الحكومة القطن وتبيعه وتستفيد من أرباحه إلا أننا تمكنا في تلك الفترة من مرحلة سعر القطن بحيث يأخذ المزارعين جزءا معينا في القسط الأول والقسط الثاني بعد بيع القطن ومعرفة أرباحه وباختصار دخلنا في شراكة مع الحكومة في أرباح القطن. ومن مميزات هذه الطريقة أصبحت هناك مرتين يصرف فيهما المزارع الأرباح وكانت الصرفة الثانية تتم والمزارع يتهيأ للدخول في الموسم الزراعي. كذلك من أهم مميزات هذا الإنجاز أننا عرفنا الحساب المشترك لتكلفة عمليات الحليج والبدلات وغيرها من العمليات المرتبطة وأن تكون كل هذه التكلفة في حساب مشترك بين الحكومة والمزارع وألا يتحملها المزارع لوحده. زيادة الوعي الاقتصادي بين المزارعين وتنامي وحدتهم: يقول السيد عبد الرحيم الماظ: كان انزعاج المفتش الانجليزي من الاتحاد بسبب الوعي الاقتصادي الذي أوجده الاتحاد وسط المزارعين إضافة إلى توحيده المزارعين حول قضية واحدة وكيان واحد وهو عكس ما كان يقوم به المفتش الانجليزي حيث كان يتعامل مع مزارعي كل منطقة على حدة وبالتالي أصبح تخوفه من تحول الأمر من وضع زراعي اقتصادي إلى وضع سياسي. لكل هذا سعى المفتش إلى تعطيل الاتحاد من القيام بهذا الدور وطلب من المك إدريس والسيد مالك شايب إيقاف احمد مالك عن هذا العمل إلا أنه لم تكن هناك استجابة لهذا الطلب. توحيد قضية المزارعين على مستوى السودان: أيضاً من المنجزات أننا استطعنا توحيد قضية المزارعين على مستوى السودان من خلال طرح المرحوم أحمد مالك لفكرة تأسيس اتحاد لمزارعي السودان. تبنى اتحاد مزارعي جبال النوبة هذه الفكرة وبعث وفداً إلى الخرطوم لطرح الفكرة على المسؤولين هناك وكان الوفد مكوناً من أحمد مالك وعبد الرحيم الماظ وإسماعيل الفكي علي واجتمع الوفد مع الشيخ الأمين رئيس اتحاد مزارعي الجزيرة (والذي عين وزيراً للصحة لاحقاً) والجنيد رئيس اتحاد مزارعي المناقل وكان هذا الاجتماع في دار اتحاد العمال بالخرطوم وطرحنا لهم الفكرة حيث لم يكن للمزارعين في ذلك الوقت غير اتحادي مزارعي جبال النوبة والجزيرة واتفق الجميع على تكوين لجنة تمهيدية لاتحاد لمزارعي السودان برئاسة أحمد مالك وكان ذلك بعد ثورة أكتوبر حيث كان يتولى وزارة الزراعة أحمد سليمان المحامي. تأسيس الاتحاد العام للفلاحين العرب: يقول الراحل أحمد مالك شايب: \"أجرت معي جريده الرأي العام تحقيقا صحفيا عن نشأة اتحاد مزارعي جبال النوبة و ذلك في شهر نوفمبر 1969 تحدثت فيه بإسهاب عن اتحاد مزارعي جبال النوبة وحول ضرورة قيام اتحاد عام لمزارعي السودان بل عن ضرورة وأهمية قيام اتحاد عام للمزارعين في الاقطار العربية والإفريقية لمسانده القضايا العربية والإفريقية. وقد تناولت تنظيمات المزارعين في العراق ( الجمعيات الفلاحية العراقية) ذلك التحقيق وبحثته في في مؤتمرها الثاني المنعقد في 20 فبراير 1970 وخرج المؤتمر بقرارات نتج عنها أن وجهت دعوة مباشرة لي بكادوقلي كمقدم لاقتراح تكوين اتحاد للفلاحين العرب لزيارة العراق بدعوي من الفلاحين وتمت الزيارة في نفس العام. وقد تم الاتفاق بين الوفد الزائر واتحاد الفلاحين العراقيين على أن يقوم وفد مشترك من اتحاد مزارعي السودان واتحاد الفلاحين العراقيين بالطواف علي الأقطار العربية بغرض الدعوة لقيام تنظيمات محلية في كل قطر وبعدها يلتزم الاتحاد العراقي بدعوة الاتحادات في الأقطار العربية لمؤتمر يعقد في بغداد يتم بعده تكوين الاتحاد العام الفلاحين العرب – وقد تم ذلك الاتفاق باسم اتحاد مزارعي جبال النوبة بكادوقلي بالسودان و بين اتحاد الجمعيات الفلاحية العراقي في بغداد.\" بناء اللبنات الأولى للعلاقة الرسمية بين السودان والصين: يقول الراحل أحمد مالك في مسودة كتابه المذكور: \" في الفترة ما بين 1958/1965 بعد أن أعلن قيام الاتحاد العام لمزارعي السودان (الاتحاد الأول) بادر اتحاد النقابات الصيني بدعوة الاتحاد لمزارعي السودان لأول مره في التاريخ لزيارة جمهوريه الصين الشعبية. قرر الاتحاد العام لمزارعي السودان تلبيه الدعوة وقرر أيضا اختيار شخصي لرئاسة الوفد الزائر وعضوية كل من: 1) يوسف احمد المصطفي – سكرتير اتحاد مزارعي الجزيرة 2) عبدا لله محمد الأمين برقاوي – العلاقات الخارجية 3) داؤود عبدا لجليل اتحاد مزارعي الجزيرة 4) الخير حاج احمد – رئيس اتحاد النيل الأزرق 5) العبيد عامر احمد، النيل الأبيض. وقد بدأت الزيارة يوم 15/10/1965 واستغرقت 40 يوماً طاف خلالها الوفد بمعظم الولايات الصينية. الدروس المستفادة من تجربة اتحاد مزارعي جبال النوبة بانتهاج أسلوب \"خلع الجلباب الحزبي\" عدم التراخي في التوعية بالقضايا والتمسك بها مهما كانت الظروف: وفي هذا الجانب يقول السيد عبد الرحيم الماظ \" بعد المقالات التي كتبها المرحوم الفاتح النور في جريدة (كردفان) حول أقطان جبال النوبة ومصانع مانشستر في بريطانيا تعرض لملاحقات من السلطات الانجليزية وكانت هناك محاولة لإيقاف جريدته فتحرك لتوعية المزارعين بقضاياهم مستخدماً سيارته الخاصة فقام بجولة شملت الدلنج وكادقلي وتلودي ورشاد وابو جبيهة وحتى الليري وكان أي منطقة يذهب إليها يأتي المفتش الانجليزي بعده إليها لإعطاء سكانها أفكاراً مخالفة لأفكار الفاتح النور وكنا نحن في الاتحاد نأتي لكل منطقة بعد المفتش ونقدم لهم أفكاراً توضح توجهات المفتش وتؤيد ما يقوله لهم الفاتح النور. وبذلك لعب الفاتح النور دوراً كبيراً في توضيح قضية المزارعين وتوعيتهم وبعد تأسيس الاتحاد أصبحنا نناقش هذه المواضيع داخل الاتحاد حيث أن القضية في النهاية قضية المزارعين. الشجاعة في المطالبة بالحق: وفي هذا يقول الراحل الفاتح النور في كتابه المذكور:\"بعد الحملة الصحفية الناجحة التي قامت بها جريدة كردفان طيلة عامي 1950 و 1951 بتسليط الضوء على مظلمة مزارعي الأقطان بجبال النوبة .... لم يكتف رئيس التحرير بالكشف عنها كتابة وإنما ذهب أيضاً في عام 1951 إلى مناطق مزارعي القطن بجبال النوبة للاتصال بالمزارعين وتوعيتهم بقضيتهم العادلة. وكان أينما ذهب يجد عدداً من المزارعين الواعين الشجعان فيتجاوبون معه. وعندما نقول شجعان! فقد كانت في ذلك العهد منطقة الجبال من المناطق المقفولة كالجنوب تماماً! والرقابة على مثل هذه الأعمال شديدة ودقيقة والعقوبة مجهولة! ومع ذلك رافق رئيس التحرير في تجواله بالجبال عدد من الشبان التجار المزارعين الواعين كانوا يمثلون العرب والنوبة والجلابة والخواجات!!\" o يقول الفاتح النور:\"والعجيب استمر اتحاد المزارعين يعمل مناكفاً حكومة الاستعمار متحدياً لهم رغم الاعتقالات التي تمت بين قادته، ثم السجن والغرامات دون أن يتصدع. وقد تم الاعتراف به رسمياً عام 1956 من أول حكومة وطنية بعد الاستقلال. ومنذ ذلك التاريخ أعطي حقه كاملاً في تمثيل المزارعين على المستوى القومي حتى أصبح رئيس اتحاد مزارعي جبال النوبة السيد أحمد مالك شايب نائباً لرئيس الاتحاد العام لمزارعي السودان. عدم التهاون في الحقوق: يقول الفاتح النور في كتابه: \"ما من مزارع في السودان بلغ به الغبن والظلم مبلغ مزارع القطن بجبال النوبة ذلك المزارع الذي يزرع الكساء ومازال عرياناً ويزرع الغذاء وما زال جوعاناً! وهكذا كتب عليه طيلة ربع قرن أن يكون مسخراً تسخير الدواب!! فقصة مزارع جبال النوبة قصة مؤلمة محزنة ترينا بصورة جلية أن من تهاون في حقوقه يزداد التهاون به اليوم تلو الآخر.\" وفي هذا الجانب يقول السيد عبد الرحمن أبو البشر، وهو أيضاً من القادة المؤسسين لاتحاد مزارعي جبال النوبة: \"وحيث أن الحكم الذي كان سائداً في فترة تأسيس الاتحاد هو الحكم الاستعماري, فقد وجد الأمر معارضة قوية للغاية من قبل سلطات الاستعمار بدأ من مفتش الأقطان بكادقلي انتهاءً بالمدير في الأبيض غير أننا أصررنا على الاستمرار في تأسيس الاتحاد برغم العراقيل والاعتقالات والتهديدات التي كانت تتم حتى تمكنا من فرض وجود الاتحاد واضطرت السلطة للاعتراف به والتعامل معه\". المحافظة على وحدة السودان: يقول الراحل الفاتح النور في كتابه المذكور: \"ومما لا يعرفه الكثيرون.... أن اتحاد مزارعي جبال النوبة كان له فضل عظيم في وحدة البلاد. فقد كان التخطيط الاستعماري ضم الجبال إلى الجنوب. ورسم كل شيء على تحقيق ذلك – ولكن بتكوين اتحاد المزارعين، ذلك الاتحاد الذي ربط مصالح المزارعين حتى جنوا ثماره نقداً يسيل بين أيديهم وخيراً ينمو في مجتمعهم ومودة صادقة تربط بينهم، فسد التخطيط تماماً! آخر محاولة مكشوفة للاستعمار لتحقيق التفرقة بين الجبال والشمال قام بها مستر كرول آخر باشمفتش لجبال النوبة قبل الاستقلال عندما عقد اجتماعاً كبيراً لعلية القوم في منطقة (جبال الريكة) وحضره وأداره بنفسه. وطلب من الحضور التخلي عن (اتحاد مزارعي جبال النوبة) لأنه لا يخص النوبة ولا العرب! وإنما هو (بتاع أولاد الجلابة) وقال إنه مستعد لمساعدتهم بإنشاء اتحاد جديد للمزارعين يكون من أبناء النوبة (أهل البلد)! ولكن الحاضرين سكتوا ولم يتجاوبوا معه إلى أن قام أحد أبناء النوبة (ضابط معاش) وقال (اتحاد المزارعين ما ضراهم بشيء بل زاد ثمن القطن وجمع كلمة المزارعين وحقق الأخوة بينهم). وانفض الاجتماع بعد فشله – متوعداً مستر كرول بالانتقام – إلا أن انتفاضة الاستقلال سبقته.\" وعن هذه الحادثة يقول الراحل أحمد مالك شايب في مسودة كتابه المذكور: \" إلا أن الرد جاء من قبل الحاضرين من العنصر النوبي والعربي و غيرهم من المجتمعين :- (إننا لن نترك هذا الاتحاد الذي رضيناه و تابعنا تكوينه منذ البداية و حفرنا بئره ولمسنا بأيدينا إدرار الماء و تدعونا الآن بعد أن بذلنا هذا الجهد لنتركه لنحفر بئراً أخري)\". عدم الانحياز السياسي: وفيما يتعلق بعلاقة الاتحاد مع السلطات الوطنية بعد الاستقلال، يقول السيد عبد الرحمن أبو البشر: \"كان هناك تعاون وثيق بينهما وكان كل حزب يطمع في احتواء الاتحاد غير أن الاتحاد نجح في إقناع الأحزاب بخطه العام غير المنحاز لاتجاه بعينه وبذلك كانت الحكومات الوطنية تتجاوب معنا لحد كبير\". مسامحة الخصوم ودعمهم: يقول السيد الشيخ توتو: \"في العام 1979م تم اعتقال قيادة اتحاد مزارعي جبال النوبة أثناء المؤتمر السنوي الثالث لاتحاد عام مزارعي السودان المنعقد بجامعة الخرطوم وذلك بسبب وشاية من مسئول كبير بمحافظة كادقلي كان ينازع في قيادة الاتحاد بدوافع عنصرية. وقد دام الاعتقال لمدة 36 يوماً تم بعدها الإفراج عن قيادة الاتحاد بعد تأكد الجهات الأمنية ببراءتهم مما وجه إليهم. وقد واصل المؤتمر عقد جلساته وانتخب المكتب التنفيذي وانتخب المرحوم أحمد مالك, وهو في المعتقل, نائباً لرئيس الاتحاد.\" يضيف السيد توتو: \"وعلى الرغم مما حدث إلا أننا قمنا بعد ذلك بمسامحة من تسبب في اعتقالنا بل وقفنا معهم في انتخابات الدوائر الجغرافية لمجلس الشعب التي جرت في تلك الفترة بمحافظة كادقلي حتى أن أحد مرشحيهم قال لي \"كيف تقفون معنا بعد الذي فعلناه بكم\" فأوضحت له أننا يهمنا مصلحة المنطقة بصفة عامة.\" @@@@@@@@@@@@@@ أخيراً،،، لا أحد منا ينكر أن أكثر ما ظل يعاني منه السودان منذ استقلاله هو عدم الاستقرار السياسي ولا أحد ينكر أن من بين الأسباب الرئيسية فيه هو عدم التقاء أحزابنا السياسية على وتمسكها ب الثوابت الوطنية وانحيازها الدائم ل مصلحتها الحزبية الضيقة. كما أن لا أحد منا ينكر أن سياسة التصعيد العسكري والتصعيد المضاد والانتقام والانتقام المضاد وغض الطرف عن الحل السلمي وعدم المشاركة الفعالة فيه من قبل كافة أحزاب ومكونات المجتمع السوداني بلا استثناء قد أسهمت في تفاقم أزمة جنوب السودان وأوصلتها إلى ما وصلت إليه اليوم ومتوقع تكرار السيناريو في منطقة جبال النوبة ودارفور وغيرها ما لم ينهض الجميع لعلاج الأمر قبل فوات الأوان. كما أن لا أحد فينا ينكر الدور الفعال للغاية الذي يلعبه أسلوب التسامح والعفو واللين مع الخصوم أو مخالفي الرأي والمعتقد وقد حثنا ديننا الحنيف على \"وجادلهم بالتي هي أحسن\" . وفي أكبر مثال حي للعداوة في التاريخ وكيفية التصرف الحكيم مع العدو والخصم يأمر الله تعالى موسى عليه السلام وأخيه هرون في تعاملهما مع عدوهما فرعون \"وقولا له قولاً لينا\" ولم يأمرهما تعالى بالعنف المضاد ولا الانتقام المضاد. اقتراح عقد مؤتمر شامل لأبناء جبال النوبة حول الاستقرار في المنطقة يتم فيه التشديد على ما يلي: أن يكون شاملاً لكافة ألوان الطيف السياسي والمجتمعي وألا يستثني أحداً منهم بالمرة حتى لو استدعى الأمر تأخير عقد الاجتماع حتى يتم إقناع الجميع بالمشاركة وذلك مراعاة لمبدأ أساس وهو ضمان تنفيذ ما يتفق عليه المؤتمرون من خلال إحساس الجميع بملكيتهم لهذا الاتفاق إذ أن من يشارك يعلم أن الاتفاق ملك له وبالتالي سيسعى لتنفيذه ويدافع عنه بعكس الذي لا يشارك. إيجاد آلية فعالة لتنفيذ توصيات المؤتمر بحزم وعدم تراخي حيث أن معظم المؤتمرات تواجه دائماً إشكالاً كبيراً في تنفيذ التوصيات لضعف آليات التنفيذ وضعف المتابعة وشح الإمكانيات. ما أحوج قادة أحزابنا اليوم إلى \"خلع جلابيبهم الحزبية\" من أجل المصلحة العامة للوطن والمواطن