العصب السابع اتفقنا على ألا نتفق..! شمائل النور هل ليس من حق هذا الشعب مجرد أمل في أن يعيش كما بقية شعوب العالم، شعب فقد ثلث أرضه وقسم لقمة عيشه فاتورة لحرب أفضت إلى انقسام البلد وهاهو يجازف بلقمة عيشه لحرب جديدة بعد أن خُدع باسم السلام.. يبدو أن أزمة جنوب كردفان والنيل الأزرق تسير إلى نفق أكثر إظلاماً ما كان عليه.. بعد زيارة سلفاكير ورجال حكومته تأكد للجميع أن الزيارة لن تنته إلا بوضع نهاية لهذه الحرب؛ لأنها أتت في ظرف شديد وقوي، وليس من شدة أكثر من الحرب التي تدور بين أبناء شعب واحد، أيُصدق! اجتماعات على مدار يومين لم تُسفر عن سطر من الاتفاق، والأمل الوحيد الذي تركته هذه المباحثات هو تكليف لجان وزارية مختصة للوصول إلى صيغ اتفاق، وإلى أن تجتمع اللجان وتنبثق منها لجان، سوف يصبح السودان في خبر كان، لم يخرج الطرفان باتفاق حتى لو كان مذكرة تفاهم، نتائج باهتة، بل هي ليست نتائج، وكان الواضح الخفي أن الطرفين لم يتفقا أصلاً.. وقد أثبت ذلك حديث الرئيس أمام قطاع الطلاب الأسبوع الفائت، فقد قطع الشك باليقين، وأغلق الباب أمام أي تفاوض، ما جعل الجميع يقول إذن لم يتفقوا. حسناً، لا تفاوض ولا استسلام، السلاح هو الفيصل وهو الحسم والرد، ماذا سيحدث بعد ذلك، ماذا نريد بعد السلاح، وماذا سيحدث بعد أن يصلي الجيش صلاة الشكر في الكرمك، وإن صلى الفجر في جوبا، ماذا بعد.. انظروا إلى حرب الجنوب، كم دفعنا فيها من السنين التي حالت بيننا وبين أن نكون مثل بقية شعوب الدنيا، كم روح شابة زهقت هناك، كم من أرملة خلفت هذه الحرب، كم من أم حُرق كبدها؟ وفي الآخر ماذا كسبنا، قطعنا ذات النصف الذي خسرنا فيه كل هذا، لماذا كان ذلك الجهاد أصلاً، طالما أن النتائج بهذا الخسران المبين، فكيف تريدونا أن نرتضي حرباً خاسرة لا محالة.. هذه النتائج المحبطة ليست غاية هذا الشعب التي يبتغيها بعد الانفصال، شعب رضى أن تُقسم أرضه نصفين ويتجرع مرارات من سوء النتائج أقلها درجة، هذا الغلاء الفاتك الذي يتحمله المواطن بعد فقدان مورده الأساسي، لماذا لا تعترف الحكومة بأن الذي يجري الآن هو نكسة كبرى بدلاً من أن تنظر له من باب المؤامرة، وإن كانت ثمة مؤامرة فمن الذي كتب لها النجاح الباهر هذا وتوّجها بالامتياز. الحكمة ثم العقل، لابد من الاحتكام إليهما مهما كلف الثمن، حتى لو تمردت الحكومة على نفسها، فالوضع اختلف كلياً، لم يعد السودان الشمالي في مقدوره خوض حرب جديدة، ولم يعد شعبه في غيبوبته تلك، حتى تقوده أصوات الحرب وهو جائع ومقطوع نصفه، الآن الشعب يجوع، ثم يجوع ويفقد أمنه ويفقد نصفه، وإن استمر الوضع سوف يفقد أعصابه لا محالة، والشارع الآن قد بدأ يفقد أعصابه، فإن كان بكم هذه الوطنية التي ترفعون شعارها، فافعلوا في هذا البلد خيراً، انشقوا عن الصفوف التي تنادي الحرب وتدق طبولها، تمرودا، افعلوا أي فعل يُرسي هذا البلد إلى بر آمن. التيار