زاوية حادة رسالة إلى أحفادنا (3) جعفر عباس كما أوضحت من قبل فإن الغرض من هذه الرسالة هو الاعتذار للأحفاد على البؤس الذي أورثناه إياهم، وسأقدم لكم يا أحفادنا أدلة إدانتنا، باستعراض بعض وجوه السودان الذي قضينا فيه سنوات حياتنا الأُول، والذي لم يكن فيه فاكس أو فيسبوك أو هامر، وكان مرفها وآمنا وراقيا، .. نعم عندكم فاكس وكان عندنا فيكس، وعندكم فيسبوك وكان عند الموظفين المبحبحين حتى السبعينيات فيسبا (دراجة نارية/ موتر)، وبعضكم عنده سيارات هامر التي تساوي قيمة الواحدة منها قيمة بيت جاهز في الحاج يوسف او الكلاكلة، بينما كان الهامر على أيامنا في متناول المزارعين الفقراء، يذهبون الى الحداد بمناجلهم وطورياتهم فيستخدم الهامر (الشاكوش) لجعل شفراتها حادة.. وسأقدم لكم دليلا حاسما وقاطعا على أن سودان القرن ال21 يعتبر كارثة مقارنة بسودان النصف الثاني من القرن العشرين الذي عشنا فيه حتى نهاية السبعينيات كان هناك اتفاق جنتلمان للتداول السلمي للسلطة بين الذباب والبعوض، فقد كان محظورا على البعوض التناسل شمال سنار، بينما كان من حق الذباب بوصفه صاحب الأغلبية أن يعيش في كافة أقاليم البلاد، وفي أواخر السبعينيات حدث إنشقاق في حزب البعوض وتسلل الفريق المنشق الى الخرطوم ولكنه لزم المنطقة الزراعية المحيطة بكلية الزراعة في شمبات، وحتى بعد تفشي النزعات التوسعية لدى البعوض ظل يحترم اتفاق تقسيم العمل وتداول السلطة مع الذباب، وكانت وردية الذباب تبدأ بعد صلاة الصبح بقليل، وتنتهي قبل آذان المغرب بقليل فيتسلم البعوض الوردية الليلية، وكانت حالات الملاريا محدودة جدا شمال كوستي وسنار، لأن ذكر البعوض كان قوي الشخصية وعنده كلمة ويمنع أنثاه «الأنوفليس»، ناقلة طفيل الملاريا من التسكع على حل شعرها في البيوت، لأنه كان يتوقع أن منح الأنوفليس حرية اللسع بالكامل سيؤدي الى ظهور حركة مقاومة بشرية شرسة ضد جنس البعوض من طرف، خاصة وأن الحكومات المتعاقبة على عهدَي صبانا وشبابنا الباكر، كانت تتخذ إجراءات وقائية لمنع توسع حركة التمرد البعوضية الى وسط وشمال السودان وذلك بتخصيص «عامل ناموس» لكل قرية كبيرة مهمته رش البرك والمستنقعات بمواد تقتل بيض ويرقات البعوض، وليس معنى هذا أن تلك الحكومات كانت متعاطفة مع الذباب، بل كان المجلس البلدي يوزع مادة الفليت مجانا على كل البيوت في المدن الكبيرة ومعه الفنيك لدورات المياه لمنع توالد الصراصير. ولكن في السودان الذي أورثناكم إياه لم ينتج فقط عن أن التمرد ونقض العهود لم يكن وقفا على البشر، فكما تلاحظون فإن الذباب لم يعد ينام ليلا ولم يعد البعوض يقصر نشاطه على ساعات الليل، ولهم العذر في ذلك، بعد ان صاروا مضطرين للعمل أوفرتايم، فمنذ أواخر القرن العشرين توقف الناس عن رمي بقايا الطعام في مقالب القمامة (الكوشة) لأنه لم يعد هناك فائض طعام على الموائد، وصارت وجبة الغداء مسائية فلم يكن من سبيل أمام الذباب سوى العمل حتى ساعات متأخرة من الليل للحصول على الحد الأدنى من الطعام، أما البعوض فقد فوجئ بأن الناس صارت «ما عندها دم»، فصار يقرص الشخص الواحد خمسين مرة في الدقيقة الواحدة ل»يبِل ريقه» ويظل يلسع ويشفط الدماء آلاف المرات في الليلة الواحدة للحصول على واحد على عشرة من الملليلتر من الدم تضغط واشنطن على المكسيك بعنف لوقف تهريب المخدرات وعمليات القتل الجماعي التي تمارسها العصابات المكسيكية، في حين ان المشكلة ناجمة عن أن الولاياتالمتحدة هي أكبر مستهلك للمخدرات المكسيكية وأن 90% من الأسلحة التي تستخدمها العصابات المكسيكية مصدرها الولاياتالمتحدة.. وقياسا على ذلك فإن جيلنا الذي شكل الحكومات التي جوعت البشر (أو سكت عليها) هو المسؤول عن ارتفاع دخل الفرد من الذباب الى 300 في اليوم والبعوض الى 213 في اليوم وهذا هو قانون السلسلة الغذائية. الراي العام