تراسيم.. تمرد مصطفى إدريس!! عبد الباقي الظافر كان الشيخ حسن الترابي يحكي لنا ذات ليلة عن أحد تلاميذه الأتقياء.. الترابي بسخريته اللاذعة كان يتحدث عن الرجل الذي والى القصر بعد المفاصلة.. الشيخ أنصف الرجل موضع حديثنا، وقال إنه لم يفسد في الأرض ولكنه بنى داراً جميلة من استحقاقاته المالية كأحد مفاوضي نيفاشا.. وقتها ظننت أن الشيخ يبالغ مسنودًا في ذلك بالمواجد القديمة بينه وبين من اختاروا الضفة الأخرى بعد الشقاق الذي ضرب جسد الحركة الإسلامية.. في ذاك الوقت لم أكن أتخيّل أن هنالك من يصنعون أزمات ثم يستنفعون بشكل أو بآخر مما صنعوا. البروفيسور مصطفى إدريس مدير جامعة الخرطوم السابق تمت إقالته من منصبه بحيثيات بُنيت على الجهر بالرأي.. كتب البروفيسور مصطفى سلسلة مقالات ينتقد فيها سوء حالنا.. بروفيسور مصطفى انطلق من مرجعية الحركة الإسلامية مقرًا ببيعته لرأس الدولة.. بالطبع أن البيعة لا تمنع الجهر بالحق بل تطلبه. أستاذ الكيمياء الحيوية بجامعة الخرطوم بعد أن لزم داره بدأ يفكر في حشد مجموعة من المفكرين لرؤياه الإصلاحية.. أخذ الرجل نسخة من الدستور واتبع التفاصيل.. استأذن الشرطة في عقد اجتماع عام.. الشرطة طلبت المزيد من التفاصيل.. بعد أن أوفى الرجل بالمطلوب بعثته الشرطة إلى عدد من العناوين.. المهم حتى يوم الناس هذا لم يصل رد للأستاذ الجليل يفيده بالسماح لمنشطه أو الرفض. الإنسان يتعلم من تجاربه.. اجتمع ثلة من الناشطين في هيئة شعبية لمناصرة الشعب السوري في مأساته أمام حكم الشمولية.. الناشطون اختاروا البروفيسور مصطفى إدريس لرئاسة هيئتهم الجديدة.. الهيئة رأت تنظيم مظاهرة احتجاجية أمام السفارة السورية بالخرطوم.. أول قرار اتخذته هيئة مصطفى إدريس ألا تستأذن السلطات.. بالفعل قام المنشط الاحتجاجي دون إذن الحكومة. القوانين السيئة دائماً تجعل تقديرات الأفراد أكبر.. كلما اتسعت دائرة الاجتهاد الشخصي كلما استشعر الممسكون بزمام الأمر أن سلطاتهم بلا حدود.. وأن القانون مجرد خادم مطيع يتم استدعاؤه عند اللزوم.. مع هذه الامتيازات الدستورية يزيد سخط المعارضين.. ويشعر كثير من الناس أن النظام السياسي في البلد خصص لغيرهم. كثير من الذين خرجوا على الحكومة السودانية كان في خاطرهم أن السيف أصدق أنباءً من القوانين.. وحقيقة أن الحكومة لم تخيّب ظنهم.. كلما تمرد رجل بعثت الحكومة على إثره المفاوضين.. اتفاقيات تقوم واتفاقيات تموت.. رجل يصالح وآخر يتمرد.. ثمرة هذه المفاوضات المستمرة تنهض بنايات ضخمة.. بعضها من نثرية الجيب وبعضها ثمن شراء المواقف.. المهم جدًا أن الخزينة العامة تدفع في كل الأحوال. حتى أقرب وجهة نظري.. تخيلوا أن البروفيسور مصطفى ضاق ذرعاً بهذا التضييق.. سافر الرجل إلى أديس أو قبّر أقدامه في كمبالا.. من هنالك أعلن قيام حركة حشد الشعبية.. في البداية ستسخر الحكومة من الحركة الجديدة.. بعد أيام سترسل الخرطوم وفد مقدمة.. ثم بوساطة قطرية ستوقع اتفاقاً إطارياً.. ثم سيعود الرجل للوطن مساعدًا لرئيس الجمهورية. من الأيسر تعبيد الميدان السياسي.. يصبح ملعبنا صالحاً للتنافس بين كافة التنظيمات.. هذا ممكن في حال أصبح القانون أقوى من التقديرات الشخصية. التيار