زمان مثل هذا دفن الليل الدبلوماسي الصادق الشريف قلنا في مقال اليوم الأسبق أنّ القرار الذي صدر من كينيا مازال قرار محكمة ابتدائية.. ولم يصل إلى حدّ أن يصبح موقفاً صادراً من الجمهورية الكينية.. لذلك رجحنا أنّ الحكومة لن تتخذ أيّ موقف بناءً عليه. لكنّ القوم لا يدركون النصح إلا ضحى الغد. فقد سارعت وزارة الخارجية الى استدعاء السفير السوداني في نيروبي.. قالوا له (تشيل شنطتك.. وتجي هسع.. تبيت معانا هِنا في الخرطوم). وأمهلت السفير الكيني مدة ثلاثة أيام.. لكي يجمع أوراقه.. وملابسه.. ويودِّع أصدقاءه.. ثمّ يغادر البلاد.. إلى غير رجعة. وآخر الطرائف.. طرائف الدبلوماسية السودانية.. قول الناطق باسم الخارجية بأنّ طرد السفير الكيني لا يعني قطع العلاقات مع نيروبي!!!. ولرُبّما كان كلام الرجل صحيحاً.. فالعلاقات الدبلوماسية تطوَّرت كثيراً منذ الزمان الذي قرأنا وتعلمنا فيه بعض الأسس والمبادئ الدبلوماسية.. ففي قديم الزمان كان طرد السفير يعني قطع العلاقات الدبلوماسية.. ورُبّما أصبح طرد السفير ذا مدلول آخر في عهد العولمة.. والعالم القرية. لا علينا. الموقف لم يصدر من الحكومة الكينية.. تماماً مثل ما قيل أنّها مذكرة قبض صدرت بحق (ياسر عرمان) بعد بلاغ ضده من منبر السلام العادل.. لإتهامه ب (الخيانة العُظمى) بعد مطالبته بعدم رفع العقوبات عن الخرطوم.. تلك المذكرة التي سمعنا بعدها أنّ الخرطوم مُحرمة على الرجل.. وعلى عمومه كان موقفاً لا يمثل الجمهورية السودانية. الأمر مماثل بالنسبة للحكومة الكينية.. بيد أنّ خارجيتنا التي حاولت أن تتنصل من القرار بقولها أنّه صدر من الجهات العُليا في الدولة.. قالت (الحكومة مازالت تنتظر خطوة كينية تشرح ملابسات ما حدث وتوضح موقف ومنطق الحكومة الكينية إزاء الخطوة).. ولا أدري ما فائدة انتظار التوضيح من كينيا بعد أن سحبت سفيرنا.. وطردت سفيرها. الانتظار كان هو الموقف الصحيح.. وكان هنالك أكثر من سيناريو بديل يمكن ل(الجهات العليا) أن تتبعه كأن تهدد بطرد السفير.. وليس عبر القنوات الدبلوماسية.. فهذا خطأ هو أيضاً.. بل عبر وسائل الإعلام.. تماماً كما أنّ قرار المحكمة صدر عبر الإعلام. الحكومة الكينية تحرّكت من جانبها لتقول ذات ما قلناه.. بأنّ القرار صدر عن محكمة ابتدائية.. ولم تقم المحكمة بتسليمه لأجهزة تنفيذ القانون.. وأنّ المدّعي العام سوف يقوم باستئناف القرار.. وأنّها ك(دولة) ملتزمة بقرار الاتحاد الإفريقي. ما حدث في كينيا لا يمكن فهمه بعيداً عن الصراع الدائر بين الرئيس الكيني كيباكي ورئيس وزرائه أودينغا.. اللذين تحالفا حلفاً أقرب لحلف المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. حلف الأضداد.. وننشر في هذا العدد من صحيفة (التيار) حواراً مع السفير عثمان السيد الدبلوماسي والخبير الأمني.. والذي يضع فيه بعض النقاط على الأحرف الأفريقية التائهة. كلّ ما أردنا قوله هُنا هو أنّ العلاقات بين الدول (لا) يجب أن تخضع للعجلة في اتخاذ القرارات.. حيث يصبح القرار مثل (دفن الليل أبو كراعاً برّه/ لا يصبر أهله على دفنه ولا يعودون صباحاً لإكمال الدفن). وليت لنا وقفة عند مواقف الدبلوماسية السعودية. التيار