حديث المدينة كرسيّ .. فحذاء .. ف(قرنوف)..!! عثمان ميرغني خلال الندوة التي أقيمت في دار حزب الأمة القومي بأمدرمان.. لمناصرة الشعب السوري.. هتفت الجماهير ضد البروفسير إبراهيم غندور.. الذي جاء مشاركاً بدعوة رسمية.. غندور يتميز برحابة صدر سياسي وقدرة على تحمل الهتافات باعتبارها نوعاً من الحوار \"الجماهيري\".. لكن يبدو أن (تحمله) للهتاف أغاظ فأخرج الهاتفين من النص.. فتحولوا إلى الرشق بالحجارة والأحذية وقوارير المياه الفارغة.. وغادر غندور المكان.. وانتهت الندوة بحزمة اعتذارات من كل الأطراف.. خاصة الجهة المستضيفة.. طبعاً بكل يقين.. مثل هذا الفعل لن يقرّه أحد.. ليس لأنه شائن فحسب.. بل لأن الرد عليه سهل من جماهير غندور نفسه في مكان آخر.. وربما ضدّ رمز سياسيّ كبير في حزب الأمة.. وسيكون شنيعاً أن يسقط حذاء –مثلاً- على السيد الصادق المهدي أو الدكتور الترابي أو أي زعيم سياسيّ.. وتصبح الندوات واللقاءات الجماهيرية حلبات مصارعة بالأحذية.. ويسقط الحوار والعقل والمنطق. ومع ذلك دعوني أمارس قدراً من السباحة عكس تيار الحدث.. ما الذي حدث في اليوم التالي للندوة.. غالبية الصحف– بما فيها صحيفتكم التيار- تصدر صفحتها الأولى خبر إلقاء الحجارة وقوارير المياه والأحذية على غندور.. وهنا مربط الفرس.. الذي يمارس مثل هذا الفعل يقصد في المقام الأول اختطاف الأضواء لقضيته.. ورفع الانتباه.. فما الذي دعا أمثال هؤلاء الشباب لممارسة هذا الأسلوب للفت النظر واستلاب عناوين الصحف والأخبار؟ هذا الفعل يعبر عن المستوى الذي وصل إليه الحوار السياسي في البلاد.. بل ومستوى التسامح Tolerance وقبول الآخر.. ولو استمر التدهور أكثر.. فسيأتي يوم قريب تصبح فيه الندوات واللقاءات الجماهيرية قريبة الشبه بما حدث للسيدة بنازير بوتو التي ما إن ترجلت من خشبة المسرح في اللقاء الجماهيري حتى أطاحت بها قنبلة أودت بحياتها.. رغم التدابير الأمنية الهائلة التي كانت تحيط بها.. لا بد من فتح مساحات أوسع للتعبير العفوي للجماهير.. الندوات واللقاءات السياسية لا تطيح بالحكومة.. بل تجعل الهواء العليل يلطف الأجواء ويطيب النفوس ويحجب عنها الاحتقان والترصد.. الوضع الآن.. فيه كبت كبير للتعبير السياسي.. لا تستطيع معظم الأحزاب أو أي كيانات أخرى إقامة ندوات سياسية.. خاصة في الأماكن الوقورة التي يجدر أن تقام فيها الندوات.. وربما المكان الوحيد المتاح حالياً– بوضع اليد- هو دار حزب الأمة بالملازمين.. وقد تظن الحكومة أن مثل هذا الوضع يريح (الدماغ) من قيل وقال وكثرة السؤال.. لكن على النقيض من ذلك. مثل هذا الوضع يقلي وجدان الشعوب قلياً ويستوي الغضب على نار هادئة وتعبأ النفوس بالبارود الذي ينتظر لحظة الاشتعال والانفجار. تفتيح مسامات المشهد السياسي.. وتوفير أكبر مساحة للحوار العفيف بعيداً عن الأحذية.. أمر حيويّ للمحافظة على \"سلمية\" الحراك السياسي.. ولكن تجاهل ذلك وافتراض أن الكبت يحجب الصوت الغاضب.. سيجعل الحدث يبدأ بقذف كرسي في لندن.. ثم حذاء في الملازمين.. ويا عالم ما القادم الذي سيقذف.. قرنوف ؟؟ .. الله أعلم .. التيار