زمان مثل هذا لزوم ما لا يلزم الصادق الشريف مجلس النواب الأمريكي لا يعتقد أنّه يسن القوانين لكي يتمّ تنفيذها في الحدود الجغرافية للولايات المتحدة.. بل يظنُّ أنّه يسنُّ القوانين لكي تُطبَّق في كلِّ أنحاء العالم.. ولكم مطلق الحرية في تقييم ذلك الاعتقاد. لكن.. على الأقل فذلك (اعتقاد).. وليس (وهماً).. والفرق بين الاثنين أنّ الاعتقاد يجد بعض حقائق الواقع التي تسانده وقد تصل به الى برِّ الحقيقة الآمن.. بيد أنّ الوهم بناء نفسي داخلي.. يعيش فيه الموهوم.. ولا يجدُ من الواقع ما يسانده. مثلاً.. قرار(موقف واشنطن من محكمة الجنايات الدولية).. فقد رفض الكونغرس بادئاً أن يصادق على ميثاق روما المفضي للإعترف بالمحكمة الجنائية الدولية.. ورفض محاكمة أيِّ جندي أمريكي خارج جغرافيا بلده.. ولكنّه صادق على قرار يقضي بتقليل أو منع المعونات الخارجية الأمريكية من ايِّ دولة (لا) تصادق على ميثاق روما. حسناً.. هذه أمريكا.. وهذا مجلسها الذي يعلم حجم قوتها.. ويعلم أنّ تعارض أيِّ عمل أمريكي مع القانون الدولي.. ستكون نتيجته النهائية هزيمة القانون الدولي (10/صفر). فما بال مجلسنا الوطني الموقر؟؟. مشروع قانون رسوم عبور البترول/تعديل لسنة 2011م الذي أودع بالمجلس هو بداية لصراع جديد مع المجتمع الدولي.. صراع ذو أسس تشريعية. التعديل على القانون يمنح تفويضاً غريباً لوزير المالية.. التفويض يضمن للوزير (موافقة مجلس الوزراء بالحجز على أي كمية من البترول أو اتخاذ أي إجراءات أو تدابير لازمة لاستيفاء الرسوم المستحقة حال لم تلتزم أي دولة أو جهة اعتبارية بسداد الرسوم المقررة). وعبارة (أيِّ دولة أو جهة إعتبارية) في النص أعلاه لا تعني سوى دولة جنوب السودان!!!!. بمعنى أنّ وزير المالية سيحصل (في حال إجازة المجلس للقانون) على سند تشريعي يحجز به على بترول الجنوب.. بما يوازي حجم مديونية الخرطوم لدى جوبا. ولأنّ المجلس الوطني السوداني.. ليس هو الكونغرس الأمريكي.. فإنّ هذا القانون سوف يصادم القانون الدولي.. وجسد السودان ليس فيه موضع شبرٍ إلا وفيه طعنةٌ رمحٍ أو ضربةُ سيفٍ من المجتمع الدولي. وقضية رسوم البترول ما زالت ضمن القضايا العالقة في نيفاشا.. وما برحت أديس أبابا تشهد الإجتماعات والمفاوضات بهذا الشأن. والصين دخلت بثقلها الإقتصادي والدولي في هذه القضية.. وأرسلت أمس الأول خبراء لتعليم المفاوضين من طرفي الدولتين السودانيتين طريقة التفاوض في القضايا الإقتصادية الشائكة. ولو أنّ ما سيفعله المجلس الوطني ضربٌ من ضروب الضغوط على الجنوب للإسراع بالجلوس للتفاوض لحل المشكل.. فذلك يُقللُ كثيراً من هيبة البرلمان.. فهو لا يحتاج للمزيد من تقليل القيمة بعد تصفيق النواب لزيادات الأسعار قديماً وغضهم الطرف عن زيادة البنزين حديثاً. الأحرى بالجهاز التنفيذي أن يحل مشكلاته دون إدخال الجهاز التشريعي في مثل هذه الألعاب السياسية.. فالمناورات شأن تنفيذي بحت.. وإدخال البرلمان هو لزوم ما لا يلزم. التيار