[email protected] اطلعت على المذكرة التى رفعها ألف من القيادات الوسيطة بالجبهة الاسلامية أو المؤتمر الوطنى الى قيادات المؤتمر الوطنى وعلى رأسها الرئيس عمر البشير. وبالرغم من أن المذكرةلا تحمل توقيعاَ يقنن الوجود الفعلى لأصحابها ويؤطر تحملهم القانونى لما كتبوا ، الا أننا نناقش هنا ماورد فيها باعتبارها وجهة نظر ينبغى التعامل معها. أولاَ : الايجابيات والمكاسب : النقطة الأولى وهى الاصرار على ان الانقلابات العسكرية تمثل النجاح والقدوة الحسنة لحكم هذه البلاد يؤطر ويؤسس لشرعية الانقلابات مهما كانت الدفوع والمبررات. النقطة الثانية التى تقول أن كثيراَ من القيادات الاسلامية قدمت نماذج طيبة من التجرد والتضحية مما جعل الشعب السودانى يقف مع برامج الثورة بحماس ، ليس له مايسنده فى الواقع لأننا لا نرى برامج واضحة للثورة ولم نشاهد حماساَ من الشعب السودانى تجاه هذه البرامج...بل العكس صحيح. النقطة الثالثة وهى الطفرة الاقتصادية ، وهذه يكذبها انهيار الزراعة وفقدان البترول وانهيار مشروع الجزيرة وانهيار السكة الحديد وانهيارالتعليم وتراكم الديون المليارية وهلمجرا، كما يكذبها المناصير المعتصمون والشباب المهاجرون خارج السودان والمواطنون النازحون والمهمشون فى الداخل ... أى أن التنمية الاقتصادية تم فرضها على أنقاض الانهيار الزراعى والاجتماعى ، و أن الثمن الباهظ الذى دفعه الشعب لا يوازى المردود الاقتصادى الضئيل الذى لا يكاد يبين ، وان بان فانه يبين على أعضاء التنظيم وليس غيرهم . وهذه النقطة تدحضها أيضاَ النقطة ( 7 ) فى المذكرة التى وردت تحت عنوان السلبيات، وهى تقول أن الافرازات التى ظهرت نتيجة التحرير الاقتصادى لم تصاحبها برامج تخفف آثار الفقر على الشعب . النقاط 4 و5 و6 ينبغى دمجها في نقطة واحدة وهى تأهيل القدرات العسكرية للجيش و التصدى للتمرد ووقف حرب الجنوب على التوالى . ولا شك أن كل ذلك أدى الى عكس ما كان يرجى منه وهوحدوث الانفصال العدائى لجنوب السودان وما نشهده حالياً من العقابيل السالبة لاتفاقية السلام سواء فى البترول أوالحدود أوالرعى أومشكلة أبيى وغيرها من المشاكل في جبال النوبة والنيل الأزرق. هذه هى النقاط السته التى قالت المذكرة أنها ايجابية مكسبية . ثانياَ : السلبيات والاخفاقات : النقطة 2 ، التى تتحدث عن الأخطاء التى ارتكبت فى حق الجماعات والأفراد كالوصاية والاقصاء ، والنقطة 3 ، التى تتحدث عن العقلية الأمنية ، والنقطة 4 ، التى تتحدث عن الشمولية والنقطة 11 ، التى تتحدث عن الأخطاء التى ارتكبت فى دارفور ينبغى دمجها جميعاَ تحت بند الشمولية . النقاط 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، و10 وهى على التوالى ، ركون البعض للدنيا ، عدم التعامل بحسم مع تهم الفساد ، التحرير الاقتصادى ، العطالة وسط الخريجين ، المحسوبية والرشوة و النعرات القبلية ، هذه النقاط تقع جميعها تحت دائرة الفساد . ثالثاً : التوصيات : أكاد أرى أن غالب التوصيات يندرج تحت باب الفساد أيضاَ كالآتى : 1. محاربة الفساد 2. ضرورة استقلال القضاء 3. تحييد أجهزة الدولة التنفيذية 4. فك الأرتباط بين المؤتمر الوطنى وأجهزة الدولة التنفيذية 5. تقوية القضاء الادارى 6. محاربة المحسوبية 7. رفع الحس تجاه التعدى على المال العام واستغلال مرافق الدولة 8. عدم بقاء الأشخاص فى مناصبهم لفترات طويلة ومنع شاغلى المناصب الدستورية من العمل التجارى 9. التشديد على ضرورة شفافية الأنتخابات هذه تقريباً مجمل النقاط التى وردت فى المذكرة مع حذف المقدمة ( التى تمثل رأى أصحابها ) وكذلك البنود الخاصة بتنظيم حزب المؤتمر الوطنى وعلاقاته والاشارة الى ضرورة وضع الدستور الدائم الذى ما فتىء الناس يتحدثون عنه منذ أكثر من نصف قرن . وفى تقديرى أن المذكرة بشكلها الحالى تفتقد الى الاحتراف والمهنية حيث بدا التكرار واعادة التكرار والتناقض واضحاً بين بنودها ، ( وحيث أننا هنا لسنا بصدد تصحيحها لغوياَ ولا ينبغى لنا ) الاّ أن أهميتها تكمن فى أنها رفعت من قبل الأسلاميين الذين يحكمون السودان منذ ربع قرن من الزمان ، وانها لمست غالب الجروح الغائرة التى يعانى منها الشعب السودانى وأنها حققت أهدافها واعترفت و أوضحت بجلاء أن مشكلة الشعب السودانى لا تكمن فى تطبيق الاسلام أو نشره ، وانما فى الممارسات المنحرفة التى رافقت هذا التطبيق مما ورد حول الفساد وسيطرة المؤتمر الوطنى على مقدرات هذا الشعب بالقوة المفرطة مما أحال الجميع الى شراذم من الفقراء والمعدمين . وأستطيع أن أقول أن المذكرة على علاتها ، تتميز بشجاعة فائقة وتبشر بظهور جيل جديد من الاسلاميين الذين هم بلا شك لا يشبهون الجيل الحالى الذى لايسمع ولايرى ولا يتكلم ، بل يتشرنق في خندق الدفاع والمماحكة والمكابرة مما أفقده حرية الحركة والتطور . ونلفت النظر دون تعليق الى العبارة الأخيرة التى أوردها محررو المذكرة ( ونحن نقوم بهذه المبادرة نؤكد أننا لن نسعى لشق صف أو تكوين جسم جديد مهما حدث وسنتعاهد على ذلك، بل سنظل داخل البيت ننافح ونبشِّر بهذه الرؤية بكل الوسائل المشروعة وبكل قوة مهما كلفنا ذلك من زمن أو جهد عبر الطرق المشروعة حتى يستقيم الأمر وسنظل في حالة رباط دائم إلى حين تحقيقها والله من وراء القصد.) خاتمة : قيل أن أحد البسطاء ذهب الى أحد كتاب العرضحالات الذين يجلسون أمام المحاكم وطلب منه أن يكتب له عرضحالاً قوياَ يعرض به قضيته على القاضى . وظبّط له العرضحالجى عريضة قوية وقرأها له بصوت جهورى . فما لبث الرجل البسيط أن طفق يبكى بكاءاَ حاراً. وعندما سأله كاتب العرضحال عما يبكيه ، قال له الرجل ( والله أنا ما كنت عارف نفسى مظلوم قدر ده ) .