زاوية حادة جواز تكنولوجي بوسائل بدائية جعفر عباس عدت الى الدوحة سالما بعد إجازة ليست بالقصيرة جدا في الخرطوم، كان أهم إنجاز لي خلالها عدم الحصول على جواز الكتروني، كان التسجيل للحصول على الرقم الوطني سهلا لأنني عرفت مكمن «طوف متحرك»، وعندما أتى الدور على الجواز اكتشفت ان «الجواز» سواء كان معلنا او عرفيا او مسياريا، أسهل من حيث الإجراءات من الصنف الالكتروني، وكان لزاما علي ان أتوجه الى الأمانة العامة للمغتربين، وهناك بدأت قولة الخير وفتح الخشم وسد المال ثم «نخيت».. فقد أصبت بشد عضلي في كل جزء من جسمي بسبب التزاحم والتدافع، ففي كل متر مربع كان هناك نحو عشرة أشخاص، معظمهم لا يعرف منين يودي على فين، واستنجدت بضابط شرطة توسمت في ملامحه الخير، لأنه كان يتعامل مع المتدافعين متحليا بطول البال والابتسام،.. وشرحت له (العقيد السماني) أن العمر مضى معظمه لأنني طفرت من سن ال39 إلى ال49 مكرها بسبب ما عانيته في ممرات جهاز المغتربين، وأنني أتمنى أن أحصل على جواز الكتروني قبل أن أموت وأنه ما لم يساعدني على اختصار الإجراءات ح»أموت ليكم هنا»، وتكرم السماني وأجلسني في مكتبه، ومرت ساعتان وثلاث والسماني يدخل ويخرج ليقول لي إن السيستم «معلّق». ثم فُرِجت بعد أن طلبوا مني الذهاب للتصوير والبصمات كخطوة أخيرة لاستكمال اجراءات الجواز التكنولوجي، وخلال دقائق كنت قد فرغت من تلك الخطوة، وألقيت نظرة على تفاصيل الملف الذي بيدي واكتشفت أن كمبيوتر وزارة الداخلية يشكك في شرف عائلتي، لأنه اختار لي جدا ليس مدرجا في قائمة أجدادي التي ورثتها عن أسلافي، وقلت للضابط المسؤول وأنا أضع إصبعي على الاستمارة «الزول ده ما جدي وأنا من عائلة محافظة».. المهم قال إن معنى هذا أن أعود الى السجل المدني لتغيير البيانات.. قلت له ما هي حكاية السجل المدني والمجتمع المدني التي صارت موضة هذه الأيام؟ فنصحني بأن «أكسب الوقت» لأن كل الإجراءات التي قمت بها صارت ملغاة بما في ذلك إيصال سداد الرسوم! فعدت الى العقيد السماني ولكن قيل لي إنه ضائع في زحمة الممرات، فتذكرت فجأة العقيد عمر الكاروري مدير الجوازات السابق في سفارتنا في قطر، وبلعت كبريائي واستنجدت به وليتني ما فعلت فقد وجد فيها فرصة لتجديد العدائيات بين المحس والشايقية، ولأنني كنت الطرف الأضعف في تلك اللحظة فقد قدمت له تنازلات فنصحني بالتوجه الى العقيد صابر الذي أمضيت معه ساعتين لأن السيستم معلق!! سؤال: لماذا يطلبون من المواطن في السجل المدني (لاحظ المدني وليس القروي) تحديد قبيلته؟ هذا سؤال غريب من شخص مثلي يردد دائما أنه نوبي- محسي- دنقلاوي!! لا بأس في أن يقول إنسان إنه جعلي او بجاوي أو بطحاني، ولكن البأس كل البأس أن يكون مثل هذا الانتماء الجزئي عنصرا أصيلا في سجل حكومي. حكت لي الزميلة رشيدة ابراهيم الوزيرة في حكومة ما بعد انتفاضة ابريل أن شهادة ميلادها تفيد بأن قبيلتها «شريفية» بحكم انتمائها لبيت المهدي ولما قالت لجماعة السجل إن «الأشراف/الشريفية» ليست قبيلة تجاهلوا كلامها وسجلوها «شريفية» فقلت لرشيدة إن اسم قبيلتها قابل للتأويل لأن «شريفة» هو اسم الدلع للملوخية في المطاعم الشعبية المهم تم رد الاعتبار لعائلتي بتصحيح اسم جدي وعدت مجددا للبصمات والبسمات والنظرات والكاميرات، وفي كل خطوة كان السيستم «يعلق» لنصف ساعة أو أكثر، فعدت الى الدوحة بالجواز الأخضر، وما زالت بصماتي وصوري معلقة في السيستم، والتقيت بمن قضوا ستة أيام لاستكمال الخطوة الأولى فقط، ووالله لم أر تكشيرة على وجه شرطي أو «أوووف» تصدر عن أحدهم، رغم الضغط البشري الهائل عليهم، بل كان الإحباط باديا على وجوههم وهم يتعاملون مع سيستم يعمل بالبخار ويعاني من ضعف اللياقة ويعمل لخمس دقائق ثم يستريح ل55 دقيقة.. يا جماعة الخير هذا أهم مشروع تضطلع به وزارة الداخلية منذ نشأتها فلا تجعلوه مثل النفرة والطفرة الزراعية: جعجعة كثيرة وطحن قليل، والمطحون هو المواطن وعبد المعين الذي هو الشرطي. الراي العام