[email protected] يحكى أن أحد عمد وشيوخ المناصير كان كفيفاً.. وكان يجلس أمام دكانه كل يوم حتى المغيب.. ويؤتى بالغداء إلى الدكان له ولضيوفه.. وينادى على كل عابر سبيل أن ينزل للغداء.. وليس بهذا عجب.. ذات مرة كان يجلس هو وحفيده أمام الطعام.. مر رجل أمامهم.. ولما نؤدي عليه ولم يجب هنا تساءل الشيخ: دام نو يا ولدي الما عايز ينزل يأكل معانا؟ قال له : دا فلان يا جدي.. وفلان هذا لديه خصومة مع الشيخ.. فأدرك الشيخ أن رفض هذا الشخص للطعام إنما هو بسبب الخلاف.. عندها نادى عليه الشيخ: يا زول حرم تنزل تأكل وخصومتنا في محلها.. هذه مقدمة لما حدث في توزيع جوائز الطيب صالح الخميس الماضي.. لم يكن غريباً أن ينال القاص والروائي الدكتور بشرى الفاضل جائزة الطيب صالح للقصة القصيرة في نسختها الثانية.. فالدكتور بشرى الفاضل غني التعريف.. تتلمذنا على يديه في جامعة الخرطوم قسم اللغة الروسية.. فكان نعم الأستاذ ونعم الأخ ونعم الصديق.. كانت شلتنا تلتف حوله.. بمختلف اتجاهاتنا السياسية.. كما كنا نختلف معه أو نتفق.. فلم يكن ذلك ليعكر صفو علاقة طالب بأستاذه.. وكنا نفتخر بأننا أول من تحصل على نسخة من كتابه" حكاية البنت التي طارت عصافيرها" .. كنت متسمراً أمام التلفاز أتابع فعاليات توزيع الجوائز.. كما يعجبني عبد الله محمد الحسن.. مثقف وهادئ وواثق من نفسه.. فجأة أذاع اسم د. بشرى الفاضل.. كنت أفكر فيما سيحدث.. هل سيصعد المنصة؟ هل سيصافح؟ هل سيستلم الجائزة؟ هل سينطق بكلمات عتاب؟ أم ماذا؟ أخبرت زوجتي التي تشاركني المشاهدة بأن ثمة شيء سيحدث.. فبشرى الفاضل لم يعرف عنه غير المصادمة ومجاهرة الإنقاذ العداء.. كتابة ومواقفاً وقصصاً وغيرها.. ولا شك أن فصله من قاعات الدرس بالجامعة كانت مؤججة لنيرانه المسلطة تجاه السلطة الحاكمة في الخرطوم.. وفوق ذلك هنالك قناعات راسخة لدى بشرى بأن الإنقاذ هي نظام شمولي يجب محاربته.. المهم مرت اللحظات متثاقلة.. ببطء شديد.. والحمد لله لم يحدث شيء.. وتنفست الصعداء.. فالموقف هو موقف تكريمي.. وموقف ناله الأديب بشرى الفاضل عن جدارة.. فهو لم يصعد المنصة متسولاً .. ولم يصعد المنصة متزلفاً.. إنما أجبرت أعماله لجنة التحكيم لاختياره فائزاً بالجائزة.. فالدكتور بشرى الفاضل لا يمكن أن يغيب عن ذهنه أن هذه الجائزة هي من صنع الإنقاذ.. وهي التي حاربت الطيب صالح صاحب الجائزة.. حتى قال قولته المشهورة فيهم" من أين أتى هؤلاء".. ويدرك بشرى الفاضل أن الشركة الراعية هي ربيبة الإنقاذ.. بذل لها الغالي والنفيس وتغاضت الدولة عن تجاوزاتها ولا تزال.. ولم ترعوي لنداءات المشتركين باحتساب الثانية في المكالمات.. بشرى كان يدرك ذلك كله.. ولكن الذي أظنه واقتنع به بأنه جاء ليثبت أن المشاركة مفتوحة للجميع وأن التنافس ينبغي أن يكون الند بالند والقول بالقول.. وجاءت مشاركته تخليداً لذكرى شخص عزيز على السودانيين أجمعين.. وإن مشاركة بشرى الفاضل إنما هي إثبات لعظمة الطيب صالح وتبجيلاً لخدماته الجليلة للأدب عامة وللسودان بصفة خاصة.. ازدانت الجائزة بأعمال بشرى الفاضل.. وإزدان بشرى الفاضل بنيله هذه الجائزة.. وأعتقد أن الخصومة لا تزال في محلها كما قال الشيخ المنصوري... عبد العزيز محمد عمر الشغيل صحافي - السعودية