بلا انحناء قِصَّةُ سيِّدنا يُوسُف... تأمُّلات أجْيَال فاطمة غزالي [email protected] لا تقلق أيها الجيل القابض على الجمر، العبث الذي يُحيط بالأشياء من حولنا جعل بعض الشباب يتدثرون بالإحباط واليأس من نهج الكبار وسياساتهم التي لم تُخرِج السودان من دوامة الأزمات، بل زاد الأمر سوءاً بجراحات الانفصال الكبير للوطن، ومازالت تراجيديا الحروبات تشيع الفوضى وتهدد مصير المواطنيين في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق كما الفوضى التي وجدها جيل اليوم على الواقع المأزوم دوماً بالصراعات والمؤامرات والتهميش والظلم والكبت... وهلم جرا. هذه الفوضى في مسيرة السودان السياسية منذ استقلاله، و"تمت الإنقاذ الناقصة" حيث خلقت نوعاً جديداً من التمرد الشبابي على القيادات السياسية مع التمسك بالأيدلوجية الفكرية للمواعين السياسية التي ينتمون إليها، فصار الولاء الشبابي للأحزاب السياسية مصاب بالانفصام "الشزوفرنيا" أيّ يجد هؤلاء ضالتهم الفكرية في الحزب، بيد أن المواقف السياسية للقيادة تدفعهم قسراً للتمرد وتجاوز أدبيات الانتماء، والتغريد خارج سرب المؤسسات الحزبية بإتخاذ وسائل الإعلام وسيلة لإعلان التمرد على الرموز، قطعاً إنّ في نفس هذا الجيل "شيءٌ من حتّى" من نهج القيادات الحزبية التي هزمت مواقفهم الصلبة في مواجهة النظام منذ نهاية التسعينيات، فروح مرحلة ما قبل نيفاشا سيطرت على أفكار الشباب وجيل الجامعات الذي شعر بأنه كان "كوبري" لتمرير الأجندة السياسية للأحزاب التي دخلت في تحالفات واتفاقيات ثنائية مع المؤتمر الوطني لم تفلح في إخراج البلاد من نفق الأزمة المظلم، ليس هذا فحسب بل الاتفاقيات الحزبية مع الحزب الحاكم لم تراعَ آنذاك فاتورة النضال لكوادرها الطلابية والشبابية، ولهذا لا غرابة في أن نعيش هذه الأيام ثورة غضب نتاجاً لتراكمات المواقف الحزبية التي لم تنال رضى الشباب. لم يسلم أحدٌ من قادة العمل الحزبي والفكري في البلاد من الأعيرة النارية والسهام المتساقطة من علٍ على نهجه ومواقفه في الساحة السياسية، فالحزب الحاكم وجد نصيبه من المذكرات الغاضبة على نهجه وسياساته السالبة خاصة فيما يتعلق بالفساد، و"الكنكشة" في السلطة، ومن المدهش أن يتناسى شباب المؤتمر الوطني "كنكشة" حزبهم في السلطة لأكثر من (20) عاماً. قادة المعارضة أيضاً أصابتهم نبال المذكرات الغاضبة من مواقفهم الضبابية والمتناقضة أحياناً مع رغبات وتطلعات الشباب، فالواقع اليوم يفرض على كل قيادات العمل الحزبي والتنظيمات السياسية التوجه نحو قيادة حوار شفّاف ومواجهة الحقائق بالطريقة التي تعيد الثقة في القيادة وتخلق التناغم المطلوب بين رؤساء الأحزاب الكبيرة وكوادرها قبل فوات الأوان، هذا الجيل لا يعرف التقديس للأشخاص، هذا جيل المعاناة ، والجيل الذي تجرّع المر بسبب فشل كل قادته في الحكومة والمعارضة في الأنظمة الديمقراطية والعسكرية في الحاضر والماضي، فشلها في التوصل إلى توليفية تخرجنا من أزمة "من يحكم السودان" إلى "كيف يُحكم السودان"، ولولا فشل هؤلاء "ما كان السوتو الجبهة الإسلامية في السودان وشعبه، قسمتو إلى دولتين وأفقرت شعبو" مهما فعلتم يا (الكبار) سيظل هذا الجيل يتأمل قصة يوسف مع إخوته (أراد إخوة سيدنا يوسف أن يقتلوه (فلم يمت)، ثم أرادوا أن يُمحى أثرُه (فارتفع شأنُه)، ثم بِيع ليكون مملوكاً ( فأصبح ملكاً) ثم أرادوا أن تُمحى محبتُه من قلب أبيه (فازدادت)... فلا تقلق أيّها الجيل القابض على الجمر واعملوا فسيرى الله عملكم، فإن أصبتم لهو خيرٌ لهذا الوطن كيما يُستشفى من أمراضه المُزمنة. الجريدة