السوء فية (الصوفية) احمد أبوعائشة 19 [email protected] قبل أيامٍ مضت كانت هناك ضجة مفتعلة من أناس عمدوا على إثارة الفتن، ذلك لما يسمونه (احتفال بالمولد النبوي) وهو ليس باحتفال؛ وان تُرك لي الحكم في تقييم هذا الأمر لقلت أنه مجرد بدع ما أنزل الله بها من سلطان. فإن الاحتفال وما يصاحبه من بدع ومنكرات لاتمت الى الشرع بصلة إنما يحصل من أناس غلب عليهم الجهل.. فقد قال السلف: (إن صاحب البدعة قل أن يرجع عنها)، ويذكرني هنا قول الإمام سفيان الثوري حيث قال (أن المبتدع عند إبليس أحب إليه من العاصي)، وبمعنى آخر أن إبليس يجتهد على المبتدع أكثر من اجتهاده على العاصي لأن العاصي في أي لحظة يمكن ان يتوب ويتوب الله عليه، ولكن المبتدع يفعل البدع ويرى أنه على حق، حينها يكون إبليس مبسوطاً. وهذا لا يعني أن أخواننا الصوفية كلهم كذلك .. كلا .. فان فيهم السابق للخيرات ومنهم المقتصد ومنهم الظالم لنفسه، وسيكون حديثنا على الصنف الاخير، فالآن بحمد الله تغيرت المفاهيم وأصبح الوعي الفطري هو الذي يقود الناس، وتابعتُ ردود بعض الاخوة حول هذا الموضوع بغض النظر عن ماهية ردودهم، إلا أن مجرد الرد في حد ذاته يُعد تغيراً في النهج والمفهوم وهنا أذكر هذه القصة لعلها أن تُغير مفاهيم البعض وهي حصلت لأحد أخواننا حينما أراد أن يبتاع من صاحب البقالة بعض الاحتياجات، وأثناء حديثهما تطرقا الى المعتقدات وما الى ذلك حيث بادر صاحب البقالة بقوله (يا زول ما تتكلم في شيخي لأنه ممكن يفعل ليك كذا وكذا) وحينها رد عليه (زولنا) بكل احترام قائلاً له يا أخي أن الفاعل هو الله وحده، وليبرهن له أن الفاعل هو الله وحده قال له نتقابل غداً في نفس الموعد فاذا أصابني شيء فسأتّبع طريقتكم هذه وإن لم يصيبني شيء تترك طريقتك هذه وتُصحح ما فسد من عقيدتك وبالفعل تقابلا في اليوم التالي ولم يصب صاحبنا أي شيء بفضل الله تعالى وعندها قال صاحب البقالة أن (الشيخ) لا ينفع ولا يضُر وانما النافعُ والضار هو الله (سبحانه وتعالى) وترك الطريقة التي كان يتبع لها؛ ولنأخذ جزء من كلام الإمام الشافعي ويليه الإمام أحمد بن حنبل حسب ماجاء في كتب أهل العلم. فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما دخل مصر قال: (تركت بغداد وقد أحدث الزنادقة فيها شيئًا يسمونه السماع).. والزنادقة الذين عناهم الشافعي هنا هم المتصوفة (والسماع) هو الغناء والمواجيد والمواويل التي ينشدونها ومعلوم أن الشافعي دخل مصر سنة 199ه وكلمة الشافعي توحي بأن قضية السماع هذه قضية جديدة ولكن أمر هؤلاء الزنادقة يبدو أنه كان معلومًا قبل ذلك، بدليل أن الشافعي قال كلامًا كثيرًا عنهم كقوله مثلًا (لو أن رجلًا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يكون أحمق) (تلبيس إبليس لابن الجوزي ص370) وقال أيضًا: ما لزم أحد الصوفية أربعين يومًا فعاد إليه عقله أبدًا (المصدر السابق)، وكل هذا يدل على أنه قد كان هناك قبل نهاية القرن الثاني الهجري فرقة معلومة عند علماء الإسلام يسمونهم أحيانًا بالزنادقة وأحيانًا بالمتصوفة.. وأما الإمام أحمد فقد كان معاصرًا للشافعي وتلميذًا له في أول الأمر فقد اثر عنه أقوال كثيرة في التنفير من أفراد معينين نسبوا إلى التصوف، كقوله في رجل جاء يستفتيه في كلام الحارث المحاسبي: قال أحمد بن حنبل: "لا أرى لك أن تجالسهم" وذلك بعد أن اطلع أحمد بن حنبل على مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها للبكاء ومحاسبة النفس كما يزعمون والكلام على الوساوس وخطرات القلوب، فلما اطلع الإمام أحمد على ذلك قال لسائله محذرًا إياه من مجالستهم وكتبهم "إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات". والذي يبدو أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال هذا الكلام في مطلع القرن الثالث، ولكن هذا القرن ما كاد يكتمل حتى ظهر التصوف على حقيقته، وانتشر في الأمة انتشارًا ذريعًا، واستطاع المتصوفة أن يظهروا ما كانوا يخفونه سابقًا. والمطلع على الحركة الصوفية من أول نشأتها إلى حين ظهورها العلني على ذلك النحو يجد أن أساطين الفكر الصوفي جميعهم بلا استثناء في القرن الثالث والرابع الهجريين كانوا من الفرس ولم يكن فيهم عربي قط، وأن أهداف التصوف كانت واحدة تقريبًا، في السياسة والدين،..، والمهم هنا هو التذكير بأن التصوف بلغ غايته وذروته من حيث العقيدة والتشريع في نهاية القرن الثالث حيث استطاع الحسين بن منصور الحلاج أن يظهر معتقده على الملأ ولذلك أفتى علماء العصر بكفره وقتله فقُتل سنة 309ه وصُلب على جسر بغداد، وسُئل الصوفية الآخرون فلم يظهروا ما أظهر الحلاج.. وعلى الرغم من ذلك فإن الصوفية ظلت تواصل انتشارها في أرض فارس على الخصوص ثم العراق.. وساعد على انتشارها في فارس أن أقام رجل يسمى أبو سعيد الميهني نظامًا خاصًا للخانات الذي أصبح فيما بعد مركزًا للصوفية، وقلده في ذلك عامة رجال التصوف ومن هنا نشأت في منتصف القرن الرابع الهجري بدايات الطرق الصوفية التي سرعان ما انتشرت في العراق ومصر، والمغرب، وفي القرن السادس ظهرت مجموعة من رجال التصوف كل منهم يزعم أنه من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم واستطاع كل منهم أن يقيم له طريقة صوفية خاصة وأتباعًا مخصوصين، فظهر الرفاعي في العراق، والبدوي في مصر وأصله من المغرب، وكذلك الشاذلي في مصر وأصله كذلك من المغرب، وتتابع ظهور الطرق الصوفية التي تفرعت من هذه الطرق، وفي القرون السادس والسابع والثامن.. بلغت الفتنة الصوفية أقصاها وأنشئت فرق خاصة بالدراويش وظهر المجاذيب وبنيت القباب على القبور في كل ناحية، وذلك بقيام الدولة الفاطمية في مصر وبسط سيطرتها على أقاليم واسعة من العالم الإسلامي، وبنائها للمزارات والقبور المفتراة، وإقامتهم بعد ذلك الموالد والبدع والخرافات الكثيرة، وتأليههم في النهاية للحاكم بأمر الله الفاطمي؛ لقد بدأت الدعوة الفاطمية بالمغرب لتكون بديلًا للحكم العباسي السُني، واستطاعت هذه الدولة تجنيد هذه الفرق الصوفية وغزوا العالم الإسلامي بهذه الجيوش الباطنية التي كان لها أعظم الأثر بعد ذلك في تمكين الجيوش الصليبية من أرض الإسلام . وأخيرًا عم الخطب وطم في القرون المتأخرة التاسع والعاشر والحادي عشر إذ ظهرت آلاف الطرق الصوفية، وانتشرت العقيدة والشريعة الصوفية في الأمة، واستمر ذلك إلى عصر النهضة الإسلامية الحديثة. سأتناول في مقال لاحق بيان مايسمى بالمجلس الأعلى للتصوف. هذا والله الموفق وهو الهادي الى سواء السبيل أحمد أبوعائشة [email protected]