بقلم:د.عبدالقادر الرفاعي اننا اليوم، ومنذ رحيل الشاهق محمد ابراهيم نقد، نتحدث كثيراً في الصحف والاذاعات والقنوات والمجالس عن صفات هذا الرجل المنير نقد، وهذا امر جدير بالتحية والتقدير، واتمني ان ينتقل بعضه او كله من خانة الوصف والاعجاب والرثاء والحزن، الي خانة المشاركة في تطويره وتعميره. نقول هذا ونحن مدركون اهمية ان لا يتوقف في حدود شكل علوي نخبوي فيكون انتشاره محدوداً ومحاصراً في اطار حرارة الحدث ليتلاشي بعد ذلك ثم يطويه النسيان. رحيل محمد ابراهيم نقد يقع بالدقة في الوقت الذي تتفاقم فيه الازمات الناجمة عن التخلف الاجتماعي ويتفكك في الزمن الذي تتفكك فيه المشروعات الاقتصادية التي بناها الشعب السوداني بعرقه وتضحياته، وتزداد فيه سيطرت المصالح الرأس مالية العالمية والطفيلية المحلية علي اقتصادنا الوطني، فضلاً عن تفت تراب الوطن بالاندثار والتلاشي مع تفاقم الاتجاهات التي اللاعقلانية المتعصبة وصعود الثقافة المسطحة والمبتذلة وتهديد ثقافتنا الوطنية مع تدني الخدمات التعليمية والصحية واستشراء الفساد والعنف الاجتماعيين، وفقدان الرؤية الموضوعية للعالم وسيادة روح الاستهلاك والتنافس الفردي من اجل الربح السريع مع افتقار الوطن الي خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، الي غير ذلك. وحتي لا تضيع مأثرة السودانيين الذين كتبوا المراثي والخطب عن نقد وشخصيته الفذة، وحتي لا تتحول قدرة اولئك علي تشكيل تلك الرؤية عن ذلك القائد الوطني وتمشي بعيداً دون ان يأخذوا الحقيقة والتاريخ بعين الاعتبار، ودون ان يخافول الوقوع او تجرفهم العطافة الي قاع الاحزان فقط، وحتي لا تزول اللوحات التي رسموها عنه، وحتي تستمر باقية ملامح ذلك الرجل الثائر علي التخلف والظلام والموت، والمؤمن بالتجديد والتغيير، والثائر علي كل ما تناقض مع العصر او تخلف عنه، بحيث لا يعود الرجل – ذلك الاعصار السياسي والفكري والادبي – وتلك الثورة علي التقوقع والتحجر رقماً من الارقام في اطار كنا وكان، فاننا نقول ان رحيله له نبراس للمستقبل وامآله الكبار. ريادة محمد ابراهيم نقد حياة ملئية بالحياة، فيها الكثير من لغة الحياة ومن لغة معاناة القلب البشري ووحشة الطريق وقلة الزاد، كتاباته في الثقافة والادب لا يمكن وضعها في باب الرؤية الفنية، بل في ابواب اخري انسانية وتقدمية ولتأكيد نزعته الانسانية ووقوفه في صف التقدم ثم ان محمد ابراهيم نقد سيرة واضحة متكاملة لشخص كان بيننا بالامس القريب وليس عبارة عن مخطوط مهلهل الصفحات، كلماته غير مقروءة. بالطبع من حق كل جيل ان يقرأ الماضب قراءة جديدة او قراءة مغايرة لاجيال سابقة، ولكن ليس من حق اي جيل ان يقلب الحقائق او ان يسخر هذه القراءة لخدمة اهداف لا تمت بصلة الي القيم التي عاش من اجلها، وشرط القراءة الجديدة هو ان تكون مسلحة بسيف نقدي وبمنهج علمي يعلي راية الحقيقة علي آية راية سواها، وفي آية حال فان نقد ليس شخصية ملتبسة وهو علي تقاطع الطريق بين السودان القديم والسودان الحديث لافتة تقدمية تشير الي المستقبل. الميدان