حديث المدينة يوم الكسوف العظيم ..!! عثمان ميرغني أعلم أن كثيراً من القراء ربما يحبطهم ويغضبهم تأجيل نشر ما وعدناهم به أمس.. ليوم غد بإذن الله.. لكني -والله العظيم- ما قررنا التأجيل إلا لقناعتنا أنها ستضيف للمعلومات التي سننشرها وتمنح (الحقيقة) مزيداً من الإضاءة.. وعلى كل حال غداً لناظره قريب..!! ينتهي اليوم الميقات المضروب للجنوبيين في دولة السودان.. وابتداءً من غد يصبح وجودهم غير شرعيّ.. واحتفلت بذلك جهات (وصحيفة بعينها) رغم علم الجميع أن الجنوبيين الذين لا زالوا في الشمال لا هم غرباء ولا أجانب.. وأن مطالبتهم بتوفيق أوضاعهم ضرب من المستحيل في ظل الوضع الحالي لدولة جنوب السودان التي لم تتوفر لها بعد مقومات الاستقرار المدني والخدمة المدنية وبطاقات هوية لمواطنيها.. وهو وضع طبيعي لدولة ناشئة لا تزال تبني في مؤسساتها. في بلادنا الآن مئات الآلاف من المقيمين بصفة غير شرعية.. خاصة من جارتينا الشرقيتين.. فما من بيت في المدن السودانية إلا وفيه عمالة منزلية من جيراننا.. وما من أحد في الدولة أو المجتمع لا يعلم أنهم يخترقون الحدود بوسائل غير شرعية .. ويدخلون المدن ويعملون فيها وفي مختلف المهن والأماكن.. دون الحصول على التأشيرة أو التراخيص الرسمية .. ومع ذلك يتركز الاهتمام الرسمي وبعجلة على إنهاء إقامة الجنوبيين في الشمال. التصريحات التي صدرت من كبار المسوؤلين. وآخرها ما قاله الوزير أحمد كرمنو (الجنوبيين ديل كان مشينا ليهم ولا ما مشينا ليهم.. يا هم في طينهم دا ما بتغيروا).. وهو تصريح أمام الإعلام وفي لقاء عام مفتوح.. تكشف إلى أي مدى النظرة لقضية العلاقة مع (شعب) دولة جنوب السودان محشوة ببارود العلاقة المتفجرة مع الحركة الشعبية منذ كانت ثاني اثنين في حكم السودان خلال الفترة الانتقالية وقبل إعلان انفصال جنوب السودان. النظرة الحصيفة للمستقبل لا يجب أن تغفل أن دولة جنوب السودان لايمكن جرها بحبل بعيداً عنا لنعيش بمعزل عن أية ارتباطات بها.. هي الدولة الأهم بالنسبة للسودان من كل الزوايا.. تاريخياً كانت جزءاً من السودان منذ أبد الدهر حتى لحظة الانفصال المشوؤم.. واجتماعياً هم بنو جلدتنا وإخوتنا رغم أنف منبر السلام العادل.. وجغرافياً هم الجار ذي القربى.. بأطول حدود بين دولتين في القارة الأفريقية. من الضرر أن يقيم الإخوة الجنوبيون في وطنهم السودان لحين ميسرة من أمرهم.. ما وجه العجلة في صافرات الإنذار وأبواق التحذير المحتفية بطردهم.. والمتوعدة بعودة (الكشات).. ليبتهج البعض برؤية الدفارات في الشوارع وعليها إخوتنا الجنوبيون منكسي الرؤوس وهم يطردون طرداً من أرض كانوا جزءاً منها وفيها مدى التاريخ. رحم الله شاعرنا إسماعيل حسن الذي قال في رائعته الشهيرة: (بلادي أمان بلادي حنان وناسا حُنان.. يكفكفوا دمعة المفجوع.. يحبوا الدار..يموتو عشان حقوق الجار).. وأي جار.. الجار ذو القربى..!! التيار