زمان مثل هذا حرب الاستنزاف الصادق الشريف عادت هجليج إلى أرض الوطن.. عادت بعون الله ثمّ عزيمة الجيش السوداني.. وكانت هجليج قد هُوجمت قبل عدة أيامٍ ولم تصل إليها قوات جيش الجنوب.. فتمّ إرجاع القوة المهاجمة قبل وصولها إلى مناطق البترول. وفي هجوم أمس الأول لم يكن الجيش الشعبي وحده مهاجماً لهجليج.. بل معه عناصر الجبهة الثورية.. ولا يستطيع أحدٌ مهما تناثرت وطنيته بين بغض الإنقاذ كنظام حكم (سيمضي إلى سجلات التاريخ كما مضت غيره من النظم).. والأحزاب المعارضة.. لا يستطيع أحدٌ أن يؤيد عدواناً على أيِّ شبر في أيِّ طرفٍ من أطراف السودان. ومع ذلك فلا بُدّ من الوقوف على دواعي الجنوب للقيام بعمل عسكري ضخم مثل الذي تمّ في هجليج بقوة تكاد تمثل نسبةً مقدرةً من قوة كامل الجيش الشعبي. العلاقة بين الشمال والجنوب، كما كررنا في هذه المساحة مِراراً، لا تقوم على أيِّ أسس منطقية مثل الأسس والنُظم التي تحكم العلاقات البينية للدول.. هي علاقة تقوم على (المشاعر!!!).. و(الأحاسيس) تجاه الآخر.. والآخرون هم الجحيم.. علاقة ليس فيها ايِّ منطق. والجنوب كدولة جديدة لا يستطيع أن يخوض حرباً ضد الشمال.. كان لا بُدّ له من الاستعانة بآخرين.. قد لا يكون فيهم صديق لجوبا.. ولكنّها المصائب التي تجمع المصابين. الجنوب فقد بتروله بقرارٍ منه.. أغلق أنابيب النفط بقرارٍ أصدرته حكومة الجنوب ولا يهم هُنا إن كانت جهاتٍ أخرى قد أوعزت أو حفزت أو وعدت جوبا.. المهم أنّ القرار صدر من جوبا. ومع ذلك لم تسقط حكومة الخرطوم نتيجة إيقاف النفط.. ففقد الجنوب نفطه ولم يحصل على الوعود التي تلقاها.. كان لا بُدّ من عملٍ إذن ل(جهجهة) الخرطوم واستنزافها بحيث يصبح البلدان فاقدين للنفط كمصدر دخل. الهجوم على هجليج أسبابه اقتصادية بحتة.. وهدفه سياسي محض.. إمّا أن يتنازل الشمال عن شروطه لنقل بترول الجنوب أو يفقد الاثنان ذلك المصدر. ومن الحسد ما يدعو للحيرة.. فالحاسد قد يحسد آخر على نعمةٍ ويتمنى زوالها منه لينالها هو.. وأسوأ من ذلك أن يحسد الحاسدُ آخر على النعمة ويتمنى زوالها من المحسود حتى لو لم تأتِ إليه.. إلى الحاسد. ستعود هجليج إن لم تكن قد عادت الآن إلى حضن الوطن.. ستكون هجليج غير.. هجرها سكانها وتدمرت بنياتها التحتية.. هجليج غير تلك التي عرفها مهندسو وفنيو البترول.. لكنّها لن تكون الحرب الأخيرة.. فالفكرة هي الاستنزاف.. استنزاف موارد الشمال حتى لو لم يحصل الجنوب على تلك الموارد. والمفاوضات بين البلدين لن تُستأنف قريباً.. بحكم أنّ صوت الميدان هو الصوت الأعلى.. فقد قال البرلمان ذلك وأعلن التعبئة. ولو كتبنا هُنا وطالبنا الدولتين بتحكيم صوت العقل.. والالتفات لمصالح شعبيهما.. سنكون مثل مؤذن مالطا الذي لا يسمعه أحد. لكنّنا سنؤذن على أية حال.. وسنقيم الصلاة.. صلاةٌ ندعو فيها بأن يطعمنا الله، ربُّنا وربُّ البيت، من جوعٍ وأن يؤمِّنا من خوف. التيار