حديث المدينة مصدات الرياح..!! عثمان ميرغني قبل عدة أسابيع حينما جلسنا في لقاء صحفي (بنادي النفط بشارع النيل) إلى كبير مفاوضينا في أديس أبابا الأستاذ الوزير إدريس عبد القادر.. و أطنب في سرد الوقائع وتفاصيل جولات المفاوضات حول رسوم عبور النفط الجنوبي لأراضي السودان.. وكان يشرح الخلاف في السعر.. السودان يطالب ب(36) دولاراً للبرميل.. والجنوب يعرض حوالي (12) فقط.. قلت لإدريس (لماذا لا تبيعوا لهم أنبوب النفط؟).. لا زلت أذكر أنّه صمت لنصف دقيقة .. بصورة توضح أنّ الخيار لم يكن وارداً في أذهان المفاوض السوداني.. ثم تخلص من الإجابة على السؤال بالرد قائلاً ( دا تفكير تجّار..). بصراحة حينها غمرتني دهشة كبيرة.. كيف لم يكن ذلك وارداً في خيارات الوفد السوداني.. ليس لأنّه خيار يحل مسألة حساب رسوم العبور.. باعتبار أن كل السوابق المتوفرة عالمياً لحساب رسوم العبور.. اعتمدت على مبدأ أن أنبوب النفط تبنيه الدولة صاحبة النفط. وليس دولة العبور.. وآخر مثال هو اتفاق الجارة تشاد مع جارتها الكاميرون.. فالأنبوب تشادي . وتدفع عنه تشاد.. بل أيضاً لأن الخيار فيه بعد (استراتيجي) سافر.. قرارات الحرب التي تصدرها حكومة الجنوب حالياً.. بمنتهى السهولة والأريحية .. سهلة لأن الجنوب أصلاً يتحرك بدافع (الخيار صفر).. ليس لديه ما يخسره طالما أن نفطه متوقف.. ومصالحه التجارية مع السودان متوقفة.. لكن حينما يمتلك الجنوب أنبوب النفط العابر للسودان فإنّ مثل قرار الهجوم على هجليج يصبح كمن يطلق الرصاص على رأسه.. والآن بكل يقين.. إن لم يكن خبر استعادة هجليج وصل مسامع القارئ حين قراءته صباحاً لهذه السطور. فمن المؤكد أنّها مسألة ساعات قليلة ويُعلن الخبر السعيد بطرد القوات الغازية وعودة حقول النفط كاملة لأيدي مهندسينا. الذين يستطيعون إرجاع كل شيء في مكانه في أقل وقت ممكن.. وتنتهي تماماً هواجس الخوف على مخزون البلاد من الوقود. والحرب مع الجنوب قابلة لأن تكون جولة وانتهت.. وقابلة أيضاً لأن تمتد عبر العقود والحقب تماماً مثل التمرد الذي بدأ في أغسطس 1955 واستمر حتى يناير 2005.. لم ترتاح فيها البلاد من رهق الدماء والدمار الشامل في كل رقعة الجنوب وجزء من الشمال الشرقي.. ولكن من مصلحة الطرفين أن تكون (هجليج) آخر الحروب.. ولا يتحقق ذلك بالأحلام والأماني السندسية.. بل بخطة استراتيجية ذكية .. تجتث كل نزعات وهوى التناحر.. وطالما أنّ دولة الجنوب لم تكمل عمر الرضاعة حتى الآن.. فنحن أولى بالتفكير الرشيد حتى نيابة عنها.. نصنع ونؤسس كل الحواجز التي تمنع وقوع الحرب وتجعل اتخاذ قرارها أمراً صعباً دونه ألف يد ويد تمتد لتمنع رئيس دولة الجنوب من استسهال مثل تلك الخطب التي يروجها الإعلام خلال الأيام الماضية. والتي وصلت مرحلة تحدي الأمم المُتّحدة حينما طالبت بانسحاب قوات الجنوب من هجليج. التيار