العقل أصدق أنباء من البارود ! محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] قلناها مرارا وعلى رؤوس الأشهاد ومنذ تفجّر أزمة هجليج ، ان زلة الأخوة في قيادة حكومة الجنوب وجيش الحركة الشعبية هناك كانت كبيرة وتهورهم كان باديا في ثمنه الباهظ مبتدأ وخبر ! فهم كما أتصور ولو كانوا يتصيدون بتلك الفعلة ايذاء حكومة المؤتمر الوطني ولكن سهمهم قد طاش بعيدا وأصاب كبد السودان ، فتداعي لأغاثته بقية الجسد وشدّ معه ذلك السهم السام لاخراجه عنه و الذي خلّف دون شك ثقبا مؤلما من الصعب تجاوز أثره بين يوم وليلة ! بيد أننا بالمقابل لا ينبغي أن نجيز لأنفسنا في الشمال أنفلات صوت العقل ، خاصة في الوسط الشعبي فننقل المعارك الى أناس غلابة وان كانوا من الجنوب وهم فاقدو الحيلة وقد سقطوا من حبل اتفاقات الحكومات المهتريء في وسط الطريق وجاءوا ليحتموا بظلال أجراس الكنائس في ديارنا لعهدهم بشمالنا مكمن القلب ، صدرا حانيا ودافئا لطالما احتواهم في وطن كانوا هم من أهله و نحسبهم لا زالوا ! وربما يكون وعلى الجانب الرسمي من مشروعية العمليات العسكرية أن تستهدف المقدرات الدفاعية والهجومية للطرف الآخر بقصد شل تلك الامكانات ، ولكّن يظل من غير المفهوم أن تسقط قذائف الطائرات على بسطاء القوم الذين يسترزقون تحت ثقوب رواكيب خالية من الظلال ، سميّت مجازا مدنا وأسواقا، فتطايرت جثث بعضهم ولعل أبشعها جسد طفل كان ما زال يحترق مثل البهيمة الفطيسة عند مكبات القمامة ، ولا أحد يستطيع فعل شي حياله ، حتي الكاميرا تلك الآلة الصماء استحت للانسانية من رؤية المنظر الفظيع فبسطت غمامة من الخجل لتغطيته ! والله كم هزني منظر النساء البسيطات وهن يتباكين في ضعف يذيب الحجر ويتراكضن متكئات على وهن بعضهن ، بحثا عن مأوى في الفراغ الواسع الذي يسده الدخان ، وربما هن لايعرفن أن كان رئيسهن في الجنوب هو سلفا كير أو سلفيو برلسكوني الايطالي ! فهل سنرضي أن نرى نساءنا وأطفالنا في الشمال في ذلك المشهد اذا ما امتدت يدا الحرب من جديد متداخلة في عمق الطرفين ؟ وقد يكون نفي الصوارمي لقصف طائراتنا للمدنيين في ولاية الوحدة الجنوبية أمس وهو الذي كان يتباهى دائما بتحقيق الانتصارات في كل بياناته السابقة ، هو تخوف من سيف العقوبات التي لوّح بها المجتمع الدولى والأمم المتحدة على من يتمادى من الطرفين في التصعيد، ولكّن الرئيس البشير ذات نفسه أعلن من هجليج المحررة والمحترقة في نيرانها وجراحاتها أمس،و قال بالحرف الواحد أنه سيعتمد لغة البندقية مع الجانب الجنوبي ، وهو ما سيؤخذ به بالطبع في غير صالح الشمال الذي لا ينقصه المزيد من هدايا العقوبات التي تحرص حكومة الانقاذ على ايصالها الينا في كل المناسبات غير السعيدة ، حتي تراكمت على ارفف معيشتنا أكداسا لفها الغبار وناء بها حيل جنيهنا الذى لم تفده كثيرا تحايلات عطارة تساقط الأصفار! فرغم محاولات الناطق باسم جيشنا التأكيد على أن من فعل فعلة الأمس هم جماعات مناوئة للحكومة الجنوبية من الداخل ، وذلك ما يناقض حقيقة أن تلك الجماعات ولو سلمنا جدلا بوجودها ودوافعها ، فاننا قد نتسأل ، وأين لها من طير أبابيل لترمي بها سجيلا يذيب بسطاء العباد ، و يحرق مما لا يشبه العتاد ، الا اذا كانت السماء قد اسعفتها بما يسمي بالأطباق الطائرة ! فيا رئيسي الشمال والجنوب وجيشيهما المغوارين ، كم من السنين تحاربتم وكم من أرواح الضحايا أزهقتم ، ضاع الزمان من البلدين وقعدا على حافة الفقر والتخلف ، وذهبت أعمار ضحاياكم ، وفي نهاية الأمر قلتم أنكم ارتكنتم الى صوت العقل وجلستم وتفاصلتم ، وتصافحتم وسط البسمات ، فيما غيركم من أهل الوطن حصدوا الأوجاع والأحزان ، فحصدتم أنتم المناصب والمكاسب الذاتية ، وكان نصيبهم الحصرم والشوك ! ولا زلنا نقول لكم ! ( العقل أصدق أنباء من البارود ) ونأمل أن يكون فيكم بقية منه ليسمعكم صوته الذي نتمني أن يعلوا على صوت البندقية ! لان الجدران الوهمية الفاصلة بيننا كجيران والتي أصبحت كالغربال من جراء مطر الرصاص لايمكن سدها الا بالماء والطين وليس بلحم البشر والدموع ! يا هدانا وهداكم الله .. أنه المسستعان .. وهو من وراء القصد.