(1-2) شاهيناز أبوزيد [email protected] وحين يكون الحديث عن دكاكين الوزير، فإنما المقصود منها تلك الكائنات الأسمنتية (المتطاولة) ذات الزجاج، القابع أحدها في قلب الخرطوم، و ثانيها في أحد الأحياء الراقية جنوبالمدينة. و هي لا تشبه الدكاكين (موضوعاً) في شيء، فالخدمة المقدمة فيها لا ترقى حتى لمستوى (الكناتين). و حين يكون الحديث عن دكاكين الوزير، تتملكك الحيرة في أي شيء تتحدث، بدءاً بأفراد الأمن الواقفين في الباب، و لكن ليس انتهاءً بموظفات الإستقبال (اللئيمات)، و ما بين هذه و تلك خدمات متردية، بيئة صحية سيئة و بالوعات تطفح برائحة كريهة، أموال طائلة تدفع هنا و هناك من دون الحصول على مقابل يوازي قيمة المدفوع، أجهزة متعطلة و موظفين لا يدرون لماذا تم وضعهم هناك!! يبتدرك حرس الباب بالسؤال: (ماشي وين؟) و كأنهم لا يدرون أنهم يقفون بحراسة باب مستشفى، و حينما تجيبهم بأنك على موعد مع الطبيب، يسألونك أي طبيب؟ و تبدأ سلسلة من الأسئلة و ربما طالبوك بإبراز المستندات مثل كرت الفحص او صور الأشعة! فإذا كان الدخول لمقابلة الأطباء ممنوعاً في تلك (الدكاكين)، لماذا تم وضع العيادات هنالك و بداخلها أطباء إختصاصيين؟ أسماك زينة مثلاً؟ تتفاجأ بعد (نجاحك) في (مؤامرة) الدخول إلى المستشفى، ب(فتاة) إستقبال (مسيخة و لئيمة) في إعتقادها أنها إنما وضعت هنالك لكي تملأ وجهها بالألوان و المساحيق و (تلوك اللبانة) و (تتعنطز) على المرضى، ليس لها أي استعداد للإجابة عن أي استفسار أو حتى القيام بالحجز لك عند الطبيب المختص (و للعلم فإن هذه هي المهمة التي تم توظيفها من أجلها!!)، إضطرني تصرفها القبيح و معاملتها السيئة للبحث عن مديرها المباشر و إعلامه بالأمر، و للأمانة كان شاباً خلوقاً، إعتذر مني بشدة، ثم قام بمناداتها إلى مكتبه و (لفت نظرها لما ارتكبته من خطأ في حقنا و أخطاء سابقة في حق آخرين) في وجودنا! و هذا إنما له معنى واحد، لم يكلف أحدهم نفسه مشقة توجيه تلك الفتاة من قبل، بالرغم من وجود شكاوى سابقة ضدها!! تصرف آخر يخبرك بأن أحد معايير ذلك (الكنتين) في التعامل مع (الزبائن) هو تقييم الشكل الخارجي، يُقيَّم المريض على حسب شكله و ما يرتديه من ملابس، فأثناء وقوفنا هناك جاء رجل بصحبة إبنه البالغ من العمر حوالي الثمانية أعوام طالباً مقابلة أحد الإختصاصيين، و لكن منظره لم يعجب (فتاة الإستقبال إياها) التي ظلت تمسحه بنظرات الإحتقار و الإزدراء عدة مرات من رأسه حتى قدميه و بكل وقاحة بدون أن تكلف نفسها عناء الرد على أسئلته، حيث كان يرتدي جلابية (متسخة) بعض الشيء!! و لا أدري ما الفرق بين هذا الرجل و أي شخص آخر يرتدي (بدلة و كرافتة) و يحمل موبايل آخر موديل، طالما أنهما في النهاية سيدفعان نفس قيمة (الكشف)!! كان الرجل مواطناً سودانياً، طيباً و مهذباً و قلقاً على إبنه لدرجة دفعتني أن أحبس دموعي، حقيقة أحسست بالخجل بل و ظننت أنه يجب عليَّ الإعتذار للرجل عن جرم لم أرتكبه! و في غرفة الممرضات، تتفاجأ مرة اخرى، و مصدر المفاجأة هذه المرة رائحة نتنة كريهة، و تستمع إلى حوارهن و هن يتحدثن عن أن هذه رائحة (السيفون)، و لا يخفى على القاريء بأن رائحة (السيفون) إنما ناتجة عن صرف صحي سيء لمياه البالوعات، في حين أن هذا مستشفى، من المفترض أن تكون بيئته صحية، فما بالك إن كان مستشفىً خاص، يدفع فيه المواطن المسكين مئات الآلاف من الجنيهات ليجد علاجاً جيداً و بيئة صحية!! ثم تتفاجأ مرة ثالثة، بعد مقابلتك للطبيب و توصيته بعمل بعض الفحوصات، بأن جهاز تخطيط الأعصاب في المستشفى متعطل منذ أربعة أشهر، و للعلم فقط فإن جميع الفحوصات و التحاليل التي يطلبها الطبيب يدفعها المواطن بفواتير منفصلة كل على حدة و لا علاقة لها بفاتورة الدخول للطبيب، و عليه لا تجد مبرراً مقنعاً لتعطل الجهاز، حيث أن هنالك أموال طائلة تدفع لإجراء الفحوصات به، أليس من الممكن توجيه بعض هذه الأموال لصيانة الجهاز؟ أخبرتني الفتاة الجالسة في غرفة تخطيط الأعصاب بأن الجهاز متعطل منذ أربعة أشهر، و أن المكان الوحيد الذي يمكنني إجراء الفحص فيه هو (الكنتين) الآخر التابع للسيد الوزير (زيتنا في بيتنا)! هناك، جنوبالخرطوم، (حيث الكنتين الأقدم لذات الوزير) قصة أخرى أكثر وجعاً، أبرز ما فيها أنه يتعين عليك أن تترك صورة من ورقة الفحص و رقم جوالك لدى الإستقبال، و يخبرونك بأنهم سيقومون بالإتصال بك لتحديد موعد لفحص تخطيط أعصابك- التي ما عادت تحتمل ما يفعلونه بك! و لكنك ستنتظر لأيام و أيام، ثم تقوم بالذهاب إليهم مرة أخرى، ثم يطلبون منك الإنتظار مجدداً، ثم تنتظر أياماً أخرى، ثم يتصلون بك لتذهب إليهم، فتذهب و تنتظر لساعات، ثم لا (يعبّرونك) فتغضب و تذهب للإستفسار عن سبب إنتظارك الطويل، فيخبرونك ( آآآه يعني إنت قاعد من قبيل!! معليش والله الدكتور جاتو ظروف و إعتذر!! خلاص أمشي البيت و نحن بنضرب ليك تاني نحدد ليك مواعيد جديدة، و قصة طويلة لا مجال لذكرها هنا) و كأنما وقتك ملك لهم يتلاعبون به متى شاءوا و كيفما شاءوا، و كأنما أنت قطعة من الأثاث، لا يلاحظون وجودك و لا تؤرقهم أهمية إعلامك بأن الطبيب اعتذر. بعد مماطلة أيام عديدة، تتمكن من عمل الفحص اللازم و تقوم بدفع مبالغ طائلة من حر مالك، حيث أن تأمينك لا يغطي ذلك (الكنتين)، و عليه فقد دفعت مبلغ الفحص مرتين لنفس الوزير، مرة عن طريق التأمين الذي يتم خصمه من راتبك في الكنتين الأول، و المرة الأُخرى عن طريق الدفع المباشر في الكنتين الثاني، بالله عليك أيها المواطن، ماذا تقول في هذا ؟؟ يتبع .. دكاكين الوزير (2-2) كنا قد تحدثنا في المرة السابقة عن تلك البنايات الإسمنتية المسماة مجازاً بالمستشفيات الخاصة، و هي لم ترقى بعد إلى هذا المستوى من ناحية الخدمة التعيسة المقدمة فيها، و اليوم نواصل حديثنا عن ما أسميناه دكاكين السيد الوزير. من المعلوم تماما بالنسبة للمواطن الذي يتعامل مع تلك المستشفيات الخاصة عن طريق بطاقات التأمين الصحي، أن الشركات المؤمنة للمواطن تقوم بدفع مبالغ التامين بصفة منتظمة شهرياً أو سنوياً –حسب العقودات المبرمة بين شركات التأمين و تلك المستشفيات- أي أن المواطن الذي يذهب إلى المستشفى متأبطاً بطاقة تأمينه الصحي لا تقوم المستشفى بعلاجه بالمجان، و إنما يقوم المواطن بدفع جزء من مبالغ زيارة الطبيب و الفحوصات و العلاجات تصل إلى 25% من جملة المبلغ في بعض الحالات، و تقوم شركة التأمين بتغطية الجزء المتبقي عن طريق المبالغ التي تقوم بخصمها من مرتبات الموظفين (المواطنين). إذاً فالمستشفى لا تفعل ذلك صدقة أو إكرامية منها لأجل عيون المواطن، و لكنها تتقاضى مستحقاتها كاملة من شركات التأمين، و إذاً فمن حق المواطن التمتع بخدمة موازية لما يدفعه من أموال، فهو إختار الذهاب إلى المستشفى الخاص حتى يوفر على نفسه الجهد و الوقت و فقدان الأعصاب و وجع القلب الذي يلاقيه في مستشفيات الدولة، بالإضافة ألى رغبته في الخدمة الطبية الصحيحة في المقام الأول! و لكن في مستشفيات الوزير يحدث العكس، فأنت تدفع من حر مالك لتضيع زمنك و جهدك و توجع قلبك و تفقد أعصابك و لا تجد الرعاية الطبية المأمولة، أي إنك تذهب إليها لتمرض (بقروشك). و بالطبع الوزير يعلم و لكنه لا يهتم لما يجري في مشافيه، طالما أن (النقاطة) تعمل و (البلف) مفتوح و الأموال تتدفق عليه من حيث يحتسب و من حيث لا يحتسب- واللهم لا حَسَد! سيدي الوزير، من العيب جداً أن تكون جالساً و متربعاً على قمة هرم الصحة في الولاية و تكون الخدمات في مشافيك (الخاصة) بهذا التدني! نحن نعلم جيداً بأن صحة المواطن هي من آخر إهتماماتك، كما أننا نعلم أنك تدير مشافي الدولة التابعة لوزارتك بعقلية إدارة الزريبة و تعتبر أن المواطنين الذين يذهبون إليها مجرد (بهائم) لا يستحقون أن يكونوا أصحاء، بل إن البهائم أوفر حظاً، و لكن فلتعلم بأن من قذف بك إلى حيث انت قابع الآن إنما هو محمد أحمد الغلبان الذي قام بتغذية عروق مشافيك الخاصة بدماءه و أمواله إلى ان تضخمتَ هكذا و تمَّ اختيارك وزيراً لتجلس و تتحكم في صحته، و إلا فبماذا تفسر عدم (توزير) اي طبيب آخر!! و لو كنا في بلد آخر لما جعلك أحد وزيراً، و لكنها بلادي التي يستوزر فيها من يستوزر على معايير ليس من بينها الكفاءة!! و لكن ما بال رجل الأعمال الذي يسكن بداخلك يتعامل بنفس الطريقة مع مشافيك الخاصة!! و عوداً على بدء، تقوم المؤسسة التي نعمل بها –على سبيل المثال، و مثلها تفعل مؤسسات كثيرة- تقوم بدفع مئات الآلاف من الدولارات- التي تُخصم من رواتبنا شهرياً لمشافي السيد الوزير الذي ينفقها في أي شيء آخر غير إصلاح الأجهزة المتعطلة في دكاكينه أو تدريب موظفيه ليكونوا أكثر فهماً و ذوقاً في التعامل مع المرضى –الذين هم زبائن باللغة التي يفهمها السيد الوزير- أو حتى تنظيف المستشفى و شطف السيفون لتوفير بيئة صحية ملائمة للمرضى! سيدي الوزير.. قامت شركة التأمين المتعاقدة مع المؤسسة التي نعمل بها بإلغاء تعاقداتها للتأمين الصحي مع عدد من المشافي الخاصة من قبل، بسبب عدم كفاءة تلك المشافي التي أثبتتها شكاوى متتالية من العاملين بالمؤسسة، و هذا ما يدفعنا و زملاء لنا للتواصي بالصبر فيما يخص تعاسة و رداءة الخدمة التي نجدها في مشافيك، فنحن نعلم أنه عاجلاً أم آجلاً سنأخذ حقنا من دكاكينك تلك. و لكن ماذا عن محمد أحمد المسكين ؟ من الذي سيأخذ له حقه من مستشفيات تتعامل بعقلية (أصحاب البيزنس)، و لكن حتى أصحاب البيزنس- ذوي العقليات المتفتحة- يولون اهتماماً خاصاً للزبائن باعتبارهم الخط الأول الذي تأتي منه أموالهم و يستفيدون من ورائه، ألم تسمع بأن الزبون دائماً على حق!! سيدي الوزير، و الحال هذه، إذ لا فرق بين مشافيك و مشافي الولاية، نقترح عليك إقتراحاً عظيماً بتحويل تلك الدكاكين إلى فنادق- على ألّا تزيد عن نجمة أو نجمتين على الأكثر، نظراً لمستوى الخدمة و المباني- حتى تضمن أموالاً أكثر و وجع راس أقل! و كلنا على ثقة من أنك ستقدم لنا شكرك العميق..!! الجريدة