د. أمين شرف الدين بانقا [email protected] مقدمة: يحكى ان رجلا من أعضاء برلمان السودان عزى هزيمة مصر في عهد جمال عبد الناصر من اسرائيل الى ام كلثوم وعزى سقوط الاندلس الى زرياب وتنبأ بعدم تحرير هجليج ان غنت شيرين في الخرطوم!.. و الفطير في كلامه ان الرجل نسي ان حين انتصار مصر في حرب رمضان في عام ثلاثة وسبعين كان وقتها يصدح بالغناء عبد الحليم حافظ و كان السادات يأمر قيادته بالافطار في نهار رمضان بل كتب السادات في كتابه انه حين دخل الى القيادة العامة استل سيجارته المشهورة وجلس يدخن هو وبقية قيادة القوات المسلحة المصرية؟ فان كانت هزيمة الجيش المصري لغناء ام كلثوم فكيف يفسر لنا هذا الرجل انتصار نفس الجيش في ظل غناء عبد الحليم و الافطار جهارا نهارا في رمضان؟؟ اسئلة لن يستطع (الشيخ) من الاجابة عليها لان النصر من عند الله وليس من اجل عيون ام كلثوم؟ وقول الرجل يدخلنا الى الحرب التي تشن على الفن و الموسيقى بدعوى التحريم و الابطال حتى وان كان هذا الفن وهذه الموسيقى تعبئ وجدان الشعوب وتحرضهم على العمل النبيل أو حتى تروح عنهم . فلا يوجد عاقل يؤمن بان الساقط من الفن يجب ان يعلى من شانه او ان يتم التجاوب معه. واكثر كثير من الشيوخ التقليدين في الحديث عن تحريم الموسيقى و الفن حتى منعوا بعض الفنانين من الوقوف في الصف الاول للصلاة في المساجد.واصبح لاشغل لهم الا بمحاربة برامج من قبيل اغاني واغاني؟ أجري صحفي لقاء مع الشيخ القرضاوي في جريدة الراية القطرية في عام 1998 فدخل الصحفي الي بيته فقال (وتَناهى إلى سمعي صوت غناء قادم من داخلِ منزل الشيخ القرضاوي. فضحكتُ وأنا أقول: لمن يستمع الدكتور القرضاوي؟ فأجاب الشيخ يوسف: الحقيقة أنا مشغول عن سماع الغناء، لكني أستمع إلى عبد الوهاب وهو يغني عن الليل، أو يا سماء الشرق جودي بالضياء، أو أخي جاوز الظالمون المدى. وأستمع أحياناً إلى أم كلثوم في نهج البردة، أو سلوا قلبي غداة سلا وتاب، وأستمع بحب وأتأثر بشدة بصوت فايزة أحمد خاصة وهي تغني الأغنيات الخاصة بالأسرة: ستي الحبايب ويا حبيبي، يا خويا ويابو عيالي، وبيت العز يا بيتنا على بابك عنبتنا.. وهذه أغنيات لطيفة جداً، فأنا لا أرى أن صوت المرأة عورة في ذاته، لكنه عورة حينما يُراد به الإثارة والتميُّع والتكسر، ويهدف إلى الإغراء. وهذا معنى قوله تعالى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) وأعتقد أن هذا موجود في بعض الأصوات . أيضاً فيروز أحب سماعها في أغنية القدس وأغنية مكة، لكني لا أتابعها في الأغنيات العاطفية، ليس لأنها حرام، وإنما لأنني مشغول. والحقيقة، أنا لا أستطيع سماع أغنية عاطفية كاملة لأم كلثوم، لأنها طويلة جداً، وتحتاج إلى من يتفرغ لها) . فيبدوا ان الشيخ العلامة القرضاوي ايضا من اسباب نكسة المصريين و الثورات العربية لأنه يستمع الى أم كلثوم!!؟ وسبب في احتلال القدس لانه يستمع الى السيدة فيروز!؟ القرآن لم يحرم الغناء: والذين حرموا الغناء و الموسيقى استندوا على نصوص اولوها ..فمن القران استندوا على قوله تعالى ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) ..وعلى الرغم ان الآية واضحة تتحدث عن هؤلاء الذين يستخدمون الملاهي للاضلال عن سبيل الله الا ان بعضهم بتروها فحرموا على اساسها الموسيقى في حين ان الاية واضحة للغاية تتحدث عن كل انواع اللهو وشرطت الحرمة بان تستخدم للاضلال عن سبيل الله. كمن يلعب كرة القدم في وقت صلاة المغرب فيترك الصلاة ويواصل اللعب فهذا لايصح على الرغم ان كرة القدم ليس فيها حرمة الا طبعا عند بعض المتنطعين!؟. واستندوا ايضا على قوله تعالى ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) وعلى الرغم ان الآية واضحة تتحدث عن (الباطل والكفر في العقائد) وليس على الغناء لانها جاءت تاليه لآيات نزلت في قساوسة أحباش جاءوا الرسول (ص) وأسلموا بعد ان استعموا الى القرآن .فالايات السابقات تقول )الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون *وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين* أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون *وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين*) فالنص واضح في سياقه اذ يتحدث عن الباطل في العقائد. وفي هذه الآية رفض ابن رشد تفسيرها بانها تتحدث عن الغناء فقال (وأي دليل في ذلك على تحريم الملاهي والغناء!! ، وللمفسرين فيها أربعة أقوال : الأول : أنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا ، فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم فيعرضون عنهم . والثاني : أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوا من نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق . والثالث : أنهم المسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه . والرابع : أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين الله ، كانوا ينتظرون بعث محمد - صلى الله عليه وسلم - فلما سمعوا به بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا) اختلاف كبير في تحريم الموسيقى بناء على الاحاديث النبوية: ولكن أكثر المحرمين للموسيقى استندوا على روايات من الحديث قالوا انها تحرم الموسيقى.. منها ( ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ..وورد في رواية اخرى (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) وروايات أخرى اقل وضوحا..وقد رد الكثيرون على هذه الاحاديث من القدماء و المعاصرين .. يقول الشيخ يوسف القرضاوي (وأما الأحاديث التي استدل بها المحرمون فكلها مثخنة بالجراح، لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو دلالته أو فيهما معًا. قال القاضي أبوبكر بن العربي في كتابه "الأحكام": لم يصح في التحريم شيء، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة، وقال ابن حزم: كل ما روي فيها باطل موضوع. ) كما أشار الامام الشوكاني الى رأي المجيزين للموسيقى في كتابه نيل الأوطار فقال (وقد أجاب المجوزون للمعازف بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية ، والامام ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام وقال : لم يصح في التحريم شيء ، وكذلك قال الغزالي وابن النحوي في العمدة ، وهكذا قال ابن طاهر : إنه لم يصح منها حرف واحد) ونقل الامام الغزالي في كتابه احياء علوم الدين قوله (إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرب أو الخنين وهى المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات) ونقل عن القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن قوله (نقل عن القشيري ضرب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن نحن بنات النجار حبذا محمد من جار) كما نقل الامام الشوكاني في كتابه نيل الاوطار عن الامام الفاكهاني قوله : لم أعلم في كتاب الله ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي ، وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس بها لا أدلة قطعية . ونقل الامام ابن حزم في المحلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها .وقعوده على باب داره متفرجا) ونقل عن امام الأزهر الاكبر محمود شلتوت رحمه الله (ان الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجدها لها أثرا فى نفسه، به يهدأ وبه يرتاح وبه ينشط وتسكن جوارحه، فتراه ينشرح بالمناظر الجميلة كالخضرة المنسقة والماء الصافى والوجه الحسن و الروائح الزكية، وأن الشرائع لا تقضى على الغرائز بل تنظمها، والتوسط فى الإسلام أصل عظيم أشار إليه القرآن الكريم فى كثير من الجزئيات، منها قوله تعالى { يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } الأعراف 31 ، وبهذا كانت شريعة الإسلام موجهة الإنسان فى مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فلم تترك لا نتزاع الغريزة فى حب المناظر الطيبة ولا المسموعات المستلذة وإنما جائت بتهذيبها وتعديلها إلى مالا ضرر فيه ولا شر . وأضاف الإمام الأكبر فى هذه الفتوى أنه قرأ فى الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادى عشر المعروفين فيه بالورع والتقوى رسالة هى (إيضاح الدلالات فى سماع الآلات) للشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى قرر فيها أن الأحاديث التى استند بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفسوق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عنده فى سماع الأصوات والآت المطربة أنه إذا اقترن بشىء من المحرمات أو اتخذ وسيلة للمحرمات أو أوقع فى المحرمات كان حراما، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحا فى حضوره وسماعه وتعلمه .وانتهت الفتوى إلى أن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة وإنما يحرم إذا استعين به على محرم أو اتخذ وسيلة إلى محرم أو ألهى عن واجب ونخلص من هذه النقول من كتب فقه المذاهب وأحكام القرآن واللغة إلى أن الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق على الحداء وفى تحريض الجند على القتال وفى العرس وفى العيد وقدوم الغائب وللتنشيط على الأعمال الهامة، وأن الاختلاف الذى ثار بين الفقهاء وجرى فى كتبهم كان فى حل أو عدم حل الاشتغال بالموسيقى سماعا وحضورا وتعلما إذا صاحبها محرم كشرب الخمر أو غناء ماجن أو غزل أو كانت الموسيقى مما يحرك الغزئز ويبعث على الهوى والفسوق كتلك التى تستثير فى سامعها الرقص والخلاعة وتلك التى تستعمل فى المنكرات المحرمات كالزار وأمثاله أو فوتت واجبا) وقال مفتى الجمهورية المصرية في عام 1980 جاد الحق على جاد الحق (ومن ثم نميل إلى أن سماع الموسيقى وحضور مجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسوق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات أو أوقعت فى المنكرات أو ألهت عن الواجبات،) خاتمة: إن مايقوم به البعض من التشدد في سماع الموسيقى ..يحاولون خلطها بالسفف من الموسيقى الهابطة التي للاسف انتشرت في مثل هذه الايام .. وهم بذلك يهضمون حقوق كل من يعمل على ان يسمي بوجدان الشعوب و يرقي فنها فيضربون الحابل بالنابل . والفن دائما كان محل انتقاد الكثير من المتزمتين الذين يعملون على جعل الشعوب طوع بنانهم مستغلين الدين ويتناسون ان في ديننا فسحة وأمل وحب ..وان وجدان الشعوب في كل الارض مرتبط بموسيقاها وبفنونها.