محجوب شريف...العمر المديد لك! بدر عبد الرحمن – دبيالإمارات [email protected] الإشاعة هي : من كلمة شاع أي انتشر وتم نشره أي نشر خبر بصورة غير منتظمة، وبدون التحقق من صحته، والإشاعة تقوم بنشر الخبر بطريقة شبه سرية، ولا تذكر مصادره، وكثيراً ما تنشر أخباراً وهمية، وبعضها يكون به قليل من الصحة، ولكن من ينقلها ينسج كثيراً من التحريف والتحوير الذي يشوه صورة الحدث الأصلي، وقد سرت في الشهور الماضية شائعة وفاة الفيتوري ثم تلتها شائعة وفاة الشاعر الجسور محجوب شريف نسأل الله أن يمد في أعمارهما وأن يمتعهما بموفور الصحة والعافية ولكن يبقى سؤال في الذهن ما الغرض من هذه الشائعات، إذ توجد صعوبة شديدة في حصر أنواع الشائعات وذلك لاختلاف آثارها ودوافعها التي تظهر فيها، ويمكن تنويع الشائعات حسب دوافعها وأهدافها ويصف علماء النفس الشائعات إلى ثلاثة أصناف رئيسية هي: شائعات الخوف وشائعات الأمل وشائعات الكراهية، وأعتقد أن الشائعات التي تعرض لها الشاعرين العملاقين محجوب شريف والفيتوري هي من النوع الأول الخوف والأخير الكراهية فمحجوب برغم شدة المرض إلا أن هذا المرض لم يغمد له جفن ولا سلاح فمازال يتسلح بالعفة والكلمة الجسورة، وحتى أنه تصالح مع المرض وأصبح يداعب ذلك الجهاز الخاص بالتنفس ويتحدث حديث الصديق وأصبح يعدد له الكثير من المواقف والمحن التي مر بها فهو يقول له: قبلك قعدت سجين زمن الصبا الموعود حبس انفرادي براي ما صدفة بل فوق راي زنزانة سور في سور ما بين سلاح وجنود النجمة والعصفور ما نمت خايف يوم ما قمت حيل مهدود حبل الصبر جواي أصبح وتر مشدود لسع قماري غناي مشبوبة القوقاي يشهد مهب الريح عن كل قشة تزود ويرد شاعرنا الجسور محجوب شريف على شائعة الموت بهذه الأبيات فيقول محجوب: أموت لا أخافُ قدر ما أخافُ أن يموتَ لحظة ضميري أقولُ دون رهبةٍ أقول دون زيف أموتُ لا أخافُ أين أو متى وكيف بغتةً مستمتعاً بأنجم السماءٍ ليل صيف رصاصةً في القلب أو طعنةً من سيف أموتُ لا أخافُ أيْن أو متى وكيف أموتُ في الظلامِ في الزحامِ تحت غفلةِ بساحل الطريق حريق غريق أموتُ في سريري زوجتي بِنْتَايا جيرتي عشيرتي وأصدقائي قِطتي راكبوتي وَزِيْري معززاً مكرماً مهندماً بناصعِ البياضِ موكبُ يحفني لمرقدِ أخيري أموتُ كيفما يشاء لي مصيري أموتُ لا أخافُ قدر ما أخافُ أن يموتَ لحظة ضميري هكذا أخبرنا الشاعر اللطيف محجوب شريف في غربته عن تلكم الإشاعة المغرضة التي سرت بين الأوساط حول موته، ولا أدري ما هو الدافع من إطلاق هكذا شائعات....؟ محجوب شريف أطال الله في عمره في صحة جيدة ولا يعاني إلا من البعد عن الوطن العزيز وعن أهله، فكان رد محجوب عبر هذه الأبيات الرائعة شافياً. هذا هو محجوب شريف الذي نعرفه لا تهده المحن ولا تهز من معنوياته تلك الشائعات فهو أشجع الرجال، فعندما تسنح لك الفرصة بلقائه تجد فيه نموذج السوداني الأصيل والعفيف هو المحبوب من جيرته، وعشيرته وأصدقائه، حتى قطته الصغيرة الوديعة تعبر بشكل ما عن حبها له وهو يتحاور معها يدللها ويلهو معها؛ ويتحدث معها بلغة خاصة؛ هو الوحيد الذي يجعلك تسرح بخيالك وتتمثل السودان سهوله وسنابل قطنه، حقوله وفيضان نيله، تحس بجوع أهله تتألم لانشطار جنوبه، يتعافى محجوب الآن في ألمانيا من تلك العلة ويتحمل في جلد ليس وخزات الألم بل هجمات الغربة والبعد عن السودان وناسه، ويتحدث إلينا في صبر وجلد عن ملازمة هذا المرض له وعن صبره ولسان حاله يقول: أحن إلى تلك الربوع الغواليا حنيناً له بعد الدموع أمانيا أكاد إذا يممتُ شطر أحبتي تمثلتهم وجهي وبت مناديا ربوعاً لها بين الضلوع مكانة ويذكرها قلبي طوال حياتيا تسلل هذا الداء حتى أقعدني حيناً من الدهر ساويا ولكنني يا سمحة الناس أعلمي بأني صبور ..والصبور مثاليا فإن أنا لم أصبر لداء أصابني فكيف تبقى أمانيا وإن أنا لم أصبر لداء أصابني فمن غيري التالي يطيق العواتيا..