«الدبلوماسية هي فن تقييد القوة» .. هنري كسينجر! جيد جداً أن يتحرك ساكن وزارة الخارجية نحو إعادة بناء اللوائح وترميم بعض القوانين ، لكن أول خطأ يستوجب النقد الإعلامي (الذي تندد الخارجية بتأثيره السالب والمباشر على أداء منسوبيها وممثلينا في بلاد الناس !) هو جملة تعميمات مقلقة تسللت إلى خطاب السيد وكيل وزارة الخارجية في معرض تصريحاته - يوم أمس الأول - بشأن التعديلات الجوهرية القادمة في قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي ..! انتقد البعض امتحان القدرات الأخير الذي يسبق خارطة التنقلات الخارجية ، فسارع السيد الوكيل إلى الدفاع بقوة عن نزاهة اللجنة وبراءة الاختيار من كل عيب .. والحقيقة أن غلبة الولاء السياسي وتأثيره المفزع على القرارات الإدارية في أجهزتنا التنفيذية داء مستوطن يصعب جداً أن تسارع أية جهة تنفيذية - داخلية كانت أم خارجية - إلى نفيه بكل ذلك الاطمئنان المحير ..! الكفاءة في تعيينات وزارة الخارجية على وجه الخصوص ينبغي أن تسبق التصنيفات السياسية لسبب أوحد لا شريك له هو طبيعة العمل نفسه ، فنجاح عمل منسوبيها بشقيه الدبلوماسي والقنصلي يتوقف على مدى التزامهم بالقوانين والأعراف الدبلوماسية من جهة ، وكفاءتهم الذاتية في التعامل مع الآخر من جهة أخرى (سواء أكان ذلك الآخر مواطناً ينشد الخدمات القنصلية ، أو طرفاً ثانياً في علاقاتنا الدبلوماسية)..! السيد الوكيل قلل من شأن اتهامات بعدم النزاهة تم توجيهها إلى دبلوماسيين سودانيين عاملين بالخارج ، وأكد أن سجلات وزارته خالية من أي تهم وجهت لمنسوبيها بالخارج ، ووصفهم بالأمناء ، لكنه ألمح - تلميحاً - إلى تعليق الاتهامات - إن وجدت - على مشجب بعض الجهات الملحقة بالعمل الخارجي ، وكأن هذه الجهات ليست تابعة لبعثاتنا الدبلوماسية وكأن تلك البعثات ليست مسئولة عن أداء أية جهة تتبع لها ..! ثم إن السيد الوكيل قال - أيضاً - إن وزارة الخارجية تمثل خط الدفاع الأول ، وأن السفراء المعتمدين في الخارج يمثلون رئيس الجمهورية وليس الوزارة وحدها .. وهذا أمر مفروغ منه تشكل الإشارة إليه على هذا النحو القاطع دلالة خطيرة على عرف دبلوماسي فاسد تنتهجه الخارجية السودانية ، مفاده قصور مظلة الخارجية عن تمثيل موقف دولة بأكملها واقتصار جهودها على تبرير أخطاء الحكومة التي تتبدد جهود الخارجية وتتقطع أنفاسها في إطفاء حرائقها السياسية المتوالية ..! السيد الوكيل قال - آخراً - إن بعض النقد الموجه لأداء وزارته غير موضوعي ويؤثر سلباً على أداء الدبلوماسيين وعلاقات السودان مع بقية الدول .. وهذا أيضاً تعميم آخر خطير ، يتنافى تماماً مع طبيعة الخطوة التي يتحدث عن إقبال وزارته عليها .. باعتبار أن أي أداء دبلوماسي يحترم الكيان الذي يمثله لا يتأثر سلباً بأي نقد كان .. وكما وأن النقد غير الموضوعي برئ براءة الذئب من مصائب علاقات السودان الدبلوماسية ..! أول اخفاقات وزارة الخارجية - وأولاها بالتغيير - هي تصريحات بعض منسوبيها، التي تعبر معظمها عن وقفات حزب وليس مواقف دولة ..! الراي العام